تكفيرٌ بالجملة… ثم اتهام السلفيين بالغلو: مفارقات الأحباش في العقيد

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا الرجل كبير شيوخ الأحباش، وهم أشاعرةٌ غلاةٌ يكفرون السلفيين.

هذا شيخهم يتابعه مليوني شخص في الفيس بوك يرفع كتاباً لعلي ملا قاري المتوفى عام 1014 يستشهد به على الإجماع على كفر من أخذ بظواهر النصوص في الصفات (يريد تكفير ابن تيمية ومعه عموم السلفيين) وإلزام بقية الأشاعرة بهذا لأن الإجماع ملزم.

وهو قوله في مرقاة المفاتيح [3/ 924]: “يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر، كالمجيء، والصورة، والشخص، والرجل، والقدم، واليد، والوجه، والغضب، والرحمة، والاستواء على العرش، والكون في السماء، وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من مجالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره، وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نئوله بشيء آخر، وهو مذهب أكثر أهل السلف، وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويله بشيء آخر، وهو مذهب أكثر أهل الخلف وهو تأويل تفصيلي، ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح، معاذ الله أن يظن بهم ذلك، وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك ; لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلالة، واستيلائهم على عقول العامة”.

فأنت إذا قلت أن الله يغضب ويرحم فأنت متكلم بما يستلزم الكفر، وهذه ظواهر النصوص، فالله وصف نفسه بما ظاهره الكفر والعجيب أنه يعترف باستيلاء التجسيم على عقول العامة!

وهذا قاله العز أيضاً: “التجسيم مما تعم به البلوى”، وقال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس” إن عامة المحدثين مشبهة، وعليه فعامة الناس والمحدثين قالوا بالكفر اعتماداً على الفطرة وظواهر النصوص.

أي قبح شديد في هذه المقالة؟

وقد ذكر قول العراقي في تكفير مثبت العلو.

ومع ذلك علي ملا قاري له رأي آخر، فقد قال في رده على أصحاب وحدة الوجود ص104: “وأما ما ورد من الآيات المتشابهة والأحاديث المشكلات حيث جاء فيهما ذكر الوجه واليد والعين والقدم وأمثالها من الصفات ففيه ثلاث مذاهب بعد الإجماع على التنزيه من التشبيه أحدها تفويض علمها إلى عالمها وعليه جمهور السلف وكثير من الخلف ويؤيده قوله تعالى {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} وثانيها تأويلها وإليه مال أكثر الخلف وبعض السلف وثالثها أن لا تأويل ولا توقف بل المذكورات كلها صفات زائدة على الذات لا يعلم معناها من جميع الجهات وهو مختار إمامنا الأعظم وأحمد بن حنبل وأتباعه كابن تيمية وهو قول ابن خزيمة وغيرهم من أكابر الأمة من المحدثين ونسب إلى عامة السلف وقد وافقهم إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري في بعض الصفات في جميع المتشابهات فإن له في الاستواء قولين أحدهما التأويل بالاستيلاء وكذا في الوجه حيث قال في أحد الوجوه أن المراد في وجه الوجود وكذا في العين والقدم واليمين والجنب حيث قال مرة إنها كلها صفة زائدة وأخرى اختار تأويلها وأما اليد فليس له فيها إلا القول بأنها من الصفات الزائدة على الذات ووافقه الباقلاني”.

فهو يعترف هنا أن عقيدة أحمد ابن حنبل وابن تيمية واحدة، ومثلهم ابن خزيمة الذي وصف الرازيُّ كتابَه بالشرك، وهذه عقيدة عامة السلف، لا خصوصية لأحمد، وكانوا يجهمون من خالفها ويحكمون بمروقه.

وعلي ملا قاري نفسه لم يسلم من غلو القوم بالتكفير لمن يأخذ بالنصوص الشرعية.

قال الآلوسي في «روح المعاني» [10/ 135]: “واستدل بالآية على إيمان أبويه -صلى الله تعالى عليه وسلم- كما ذهب إليه كثير من أجلة أهل السنة، وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما -رضي الله تعالى عنهما- على رغم أنف على القاري وأضرابه”.

وهذا لأن علي ملا قاري ألف رسالة ينتصر فيها لظواهر الأحاديث الصحيحة في أن أبوي النبي ﷺ في النار، وذكر أنه مذهب أبي حنيفة، فنالوا منه وحاموا على تكفيره لذلك.

ولهم كلام كثير في لعن وتكفير من يخالف في هذه المسألة.

فمن يأخذ بظواهر النصوص يحومون على كفره، ومن يأخذ بأحاديث رسول الله في أحوال الماضين يحومون على كفره، ثم يتذمرون من إنكار الشرك في دعاء المقبورين ويسمون منكره تكفيرياً، فأوقعوا الناس في الشرك وجرأوهم عليه ثم كفروا الناس بمحض التوحيد.

ويقولون إن السلفيين يشبهون إسلام البحيري مع أن البحيري يطعن في الأحاديث وفي البخاري، والقوم لو أخذت بعقيدة البخاري التي في «خلق أفعال العباد» سيقولون عنك: مجسم خارجي، والأحاديث عندهم ظنية لا يؤخذ منها اعتقاد!

وعلي ملا قاري في كتابه المذكور أثنى على ابن تيمية وابن القيم بعد هذا الموضع وجعلهما من الأولياء.