جاء في كتاب «موسوعة الأخلاق» لخالد بن جمعة الخراز ص39: “قصة إسلام رجل إيطالي. ما قصة هذا الرجل؟ وكيف أسلم؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله تعالى، فقد زارني أحد الفضلاء النبلاء من أهل الكويت في مسجد عبد الله خلف الدحيان في الفيحاء العامرة يوم الجمعة، وبعد أن انتهيت من الخُطبة، قدم لي فتى لم يتجاوز عمره الحادية عشرة اسمه جبريل، وقال لي: هذا الفتى إيطالي الأصل، ويتحدث العربية، أتمنى أن تسمع لقصته العجيبة، وكيف أسلم والده، ووالده موجود في المسجد، وحضر خطبتك، وهو لا ينطق بالعربية حتى الآن، فسألته عن سبب دخولهم في الإسلام، فقال: كان أبي يعمل مديرًا لأحد البنوك في إيطاليا، وفي يوم من الأيام صرف مبلغًا بطريق الخطأ يساوي ألفًا وخمسمائة دينار كويتي لامرأة مسلمة ترتدي الحجاب والنقاب من أصول صومالية تستوطن إيطاليا، والمرأة أخذت هذا المال وانصرفت، وعند وصولها للمنزل فوجئت بزيادة في المبلغ، فعزمت على رده من الغد، وبات والدي في هم طول ليلته، ومن الغد جاءت المرأة لرد المال، ففرح والدي (المدير) لقدومها وردها هذا المال، وعجب لخلقها غاية الإعجاب، وسألها عن سبب ردها المال، فقالت: هذا المال ليس حقا لي؛ لأن شريعتنا الإسلامية تمنعنا أن نأخذ مال الغير إلا بإذن أهله، فهذا مال محرم عليَّ، عندها قال أبي وكان على دين النصرانية: هذا دين عظيم الذي يحملك على حفظ مال الغير، فشكرها لهذا الخلق الكريم، وطلب منها تزويده بكتب تعرّفه بالدين الإسلامي، فأسلم والدي بعد يوم واحد، وتزوج منها، وهي أمي الآن التي أحدثك عنها.
قال جبريل: وعزم أبي على نقل أمي إلى البلاد العربية إذا رزق بولد، حتى ينشأ في بيئة الصحابة التي قرأ عنها في الكتب، وبعد أن ولدتُ سماني جبريل، ثم نقلنا إلى مكان آمن في إحدى البلاد العربية حتى لا نتلوث بالعقائد الباطلة، والمشاهد السيئة في إيطاليا، ونشأ جبريل الذي هو أنا في بيئة مسلمة وتعلمت العربية، وحفظت من القرآن ثلاثة عشر جزءاً بحمد الله تعالى، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 ضغطت أمريكا على الأنظمة العربية، بضرورة إخراج الغربيين من بعض البلاد، وبالأخص من أسلم منهم، فتكدر أبي لهذا القرار، وعزم قبل العودة إلى إيطاليا أن يزور ثلاث دول عربية: دولة الكويت، ثم إمارة الشارقة في الإمارات، ثم مكة المكرمة، والمدينة النبوية، ويقدر الله سبحانه أن نصل إلى الكويت أولًا، ونستقر فيها بمساعدة أهل الخير، فعندما دخلنا الكويت أخذنا (فلان) بارك الله فيه، إلى ديوانه العامر بالإخوة الفضلاء، وندب الحضور إلى ضرورة مساعدتنا، وكنت أسمع حديثهم، وأبي جالسٌ إلى جانبي لا يفهم ما يقول الحضور؛ لأنه لا يحسن العربية، إلا إذا شرحت له، ومن سرورنا وسعادتنا أن تكفل بعضهم بالإقامة لنا، وآخر بالراتب، وثالث بأثاث الشقة، ورابع بأجرتها، وبعد أن خرجنا من الديوان وشرحت لأبي ما دار في الديوان فرح فرحا شديدًا، وحمد الله سبحانه، وقال: سبحان الله! كنت مهموماً مغمومًا، فأبدلني الله سبحانه فرجًا وسعةً، وتذكرت مناقب الأنصار مع المهاجرين، كيف فتحوا لهم القلوب والبيوت، وشاركوهم في الأموال والتجارة، فأنتم كذلك يا أهل الكويت، وقفتم مدي موقفا مشرفاً، زادكم الله فضلًا. قال الابن جبريل: هذه قصة إسلام أبي، والحمد لله على نعمة الإسلام”.
أقول: ما أتذكر إلا قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق ١-٣].
هذه المرأة الصومالية اتقت الله وتركت المال الحرام، فرزقها الله إسلام الرجل والزواج منه والإنجاب ثم تيسير أمورهم حيثما ذهبوا، ونرجو لها الأجر العظيم في الآخرة في إسلام الرجل وفي هذا الولد الذي نحسبه والله حسيبه من أهل الصلاح، عسى الله عز وجل أن يأجرها بكل حسنة يعملها وكل حرف يتلوه.
وهو اتقى الله في الهجرة، فرزقه الله رزقاً واسعاً، وأعظم الرزق إقبال ولده على القرآن، فهو لا يحسن العربية ومع ذلك ابنه أتقن ذلك، وعسى الله أن يأجره على تعليمه ابنه.
وهذه نعمة الله يسوقها لمن شاء من عباده، فكم من إنسان ولد بين أهل الإسلام وتراه يتثاقل الأوامر والنواهي وكثير منهم دخل في الزندقة.
وكم من شخص ولد بين الكفار وهو اليوم مستمسك بالإسلام كأشد ما يكون الاستمساك، هذا لتعلم أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وهنيئاً أيضاً للقوم الذين أعانوهم، فكم من عطية لله تأتي لك على هيئة إنسان محتاج تُفرِّج كربته، فيُغفر ذنبك وتزول عنك كربة من كرب يوم القيامة.
وتأمل اعتزاز المرأة بدينها وما جر عليها وعلى غيرها من خير.
أما اليوم فترى كثيرين ينبهرون بالكفار ويستضيفونهم في بلدانهم منبهرين بهم مغتبطين بهم على ما يظهره هؤلاء من فسق وفجور وكفر، فيكون فتنة لهم، والله المستعان.