
المنهج العلمي أن يعزى الأثر إلى المصدر الأعلى المسند، لا أن نجلس نتحدث برواية الأسانيد والأثبات ثم بعد ذلك نكون كالعوام.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في «الإيمان»: “30- حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال: جاورت مع جابر بن عبد الله بمكة ستة أشهر، فسأله رجل: هل كنتم تسمون أحدا من أهل القبلة كافرا؟ فقال: «معاذ الله»، قال: فهل تسمونه: مشركا؟ قال: «لا»”.
وجابر بن عبد الله يعني عدم تكفير أصحاب المعاصي لا أهل الكفر، فقد كان الخوارج يكفرون أصحاب المعاصي.
وإلا فالصحابة كفروا أصحاب مسيلمة والطائفة الممتنعة، مع أنهم جميعاً يصلون.
ويُبيِّن القصد ما روى محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة»: “893- حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، قال: حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صاحب رسول الله ﷺ قال: قلت له: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله ﷺ؟ قال: «الصلاة»”.
وهذا خبر ثابت، وله شاهد:
قال ابن أبي عاصم في «السنة»: “976- حدثنا الحسين بن البزاز، حدثنا يحيى بن عباد، ثنا سعيد بن زيد، ثنا الجعد بن دينار أبو عثمان، حدثنا سليمان بن قيس اليشكري الأعور، قال: سألت جابر بن عبد الله: هل كنتم ترون الذنوب شركا؟ فقال: معاذ الله، ما كنا نزعم أن في المصلين مشركا”.
وهذا الخبر ضعفه الألباني لأنه جهل بعض رواته، وحسنه تلميذه الجوابرة بعدما ميزه تمييزاً صحيحاً واكتشف أنه صدوق.
وعلى كل، هو مشهود له بما سبقه.
وقال محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة»: “889- حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، قال: حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه، عن أبيه عقيل، عن وهب بن منبه، قال: هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما فأخبرني سألته في المصلين من طواغيت؟ قال: لا وسألته: هل فيهم من مشرك؟ قال: لا، وأخبرني أنه سمع النبي ﷺ يقول: «بين الشرك والكفر ترك الصلاة» وسألته: أكانوا يدعون الذنوب شركا؟ قال: معاذ الله ولم يكن يدعون في المصلين مشركا”.
فهذا أثر جامع لمعنى الأثرين السابقين، وهو أن أهل القبلة عنده أهل الصلاة، وقد استدل بهذا الأثر على تكفير تارك الصلاة، كذا فعل محمد بن نصر.
ومثل الصلاة كل كفر، كسبِّ الله ودعاء غير الله وتكفير الصحابة وقذف أم المؤمنين.
وأما الذنوب التي لا تكون كفراً فالقصد بها المعاصي الفاشية في المسلمين كالقتل والسرقة والزنا وغيرها.
وأسوأ من التكفير بالذنوب التكفير بالحق، كتكفير كثير من أبناء مدرسة الجفري القائلين بالعلو (يعني أن الله في السماء).
وتكفير جماعة منهم من يقول إن أبوي النبي ﷺ في النار، ويتداولون فتيا في ذلك منسوبة لابن العربي، فينبغي أن يعظهم هم الآخرين لا أن يوجه وعظاً انتقائياً.