تعليق الدكتور جاسم الجزاع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا تعليق الدكتور جاسم الجزاع على اعتراض من اعترضوا عليه في وصفه لأبي بكر بـ(المستبد العادل).

وموطن الإشكال أن هذه الأوصاف (الاستبداد) في مقابل (الحكم الجمعي) سواءٌ كان شورى أو ديمقراطية أوصاف نشأت في بيئات لا يوجد فيها احتكام للدليل الشرعي.

لا يوجد فيها {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء ٥٩].

ولذلك هناك ثنائية إما (مستبد برأيه) أو (مشاور يقبع تحت شورى ملزمة) فحتى لو شاور ولم يأخذ بالمشورة فهو مستبد.

والواقع أن هناك قسماً ثالثاً، وهو متمسك بالدليل الشرعي لا الرأي، فالاستبداد يكون بالرأي، وأما الأخذ بالدليل ولو خالف الأكثر فهو اتباع.

وأبو بكر ناظر عمر في الأمر حتى انشرح صدره لذلك وتبعه الناس.

قال البخاري في صحيحه: “وكانت الأئمة بعد النبي ﷺ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداء بالنبي ﷺ ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله ﷺ «ثم تابعه بعد عمر فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله ﷺ في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه» وقال النبي ﷺ: «من بدل دينه فاقتلوه» وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل”.

تأمل قول البخاري: “يستشيرون الأمناء في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها” فالشورى والاستبداد ليس محلها أمر فيه نص أو دليل شرعي أو حجة.

وتأمل قوله: “فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله ﷺ في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه”.

فالأمر اتباع، وليس رأياً حتى يكون استبداداً.

فتعريف الاستبداد سياسياً (despotism) يعني انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة، دون النظر إلى رأي المحكومين.

(موسوعة السياسة– الجزء الأول (1) تحرير مجموعة من الباحثين الناشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط3 1990 ص 166).

ولكن لما وقع في نفوس كثيرين أن النصوص الشرعية لا تفي بالغرض في نزاعات الناس لغموضها وتنازع الأفهام فيها، صار يُسقط على أمتنا حال الغربيين الذين لا مرجع عندهم سوى الصندوق أو السلطة أو الدستور الذي كتبه جماعة من الناس يمثلون الشعب وتوافقوا عليه.

وكان جمال الدين الأفغاني يروج لفكرة (المستبد العادل) وتأثر به كثيرون.

ثم لو فرضنا أنه استبد هنا، فهذا لا يمثل عموم حكمه، فهو كان يستشير ويسمع من غيره، وحادثة جمع المصحف معروفة.