
هذه الصورة هيجت علي أشجاناً، وتذكرت عدة فئات، ولكن قبلها أود أن أنقل نقلاً:
قال أحد المصنفين: “وأما اتخاذها أوثانا فجاء النهي عنه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تتخذوا قبري وثنا يعبد بعدي» أي لا تعظموه تعظيم غيركم لأوثانهم بالسجود له أو نحوه، فإن أراد ذلك الإمام بقوله: «واتخاذها أوثانا» هذا المعنى اتجه ما قاله من أن ذلك كبيرة بل كفر بشرطه، وإن أراد أن مطلق التعظيم الذي لم يؤذن فيه كبيرة ففيه بعد، نعم قال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بها عين المحادة لله ورسوله، وإبداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعا، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد أو بناؤها عليها.
والقول بالكراهة محمول على غير ذلك إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن فاعله، وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه نهى عن ذلك وأمر -صلى الله عليه وسلم- بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ولا يصح وقفه ونذره انتهى”.
هذا الكلام ليس لابن تيمية أو أحد تلاميذه، هذا الكلام لرجل يعتقد جواز الاستغاثة بالنبي ﷺ ويبغض ابن تيمية، هذا الكلام لابن حجر الهيتمي في «الزواجر عن اقتراف الكبائر».
تذكرت عدة فئات.
الأولى: تلك الفئة التي قررت أن تبرر كسلها عن دعوة هؤلاء ومحاربة ما هم فيه من الشرك والجهل بحجة أنهم معذورون بجهلهم، ولو فرضنا هذا فهل هم أجهل أم كفار قريش وقد بعث الله لهم رسولاً؟ فالعلماء ورثة الأنبياء ووارث النبي يفعل فعله ويدعو الناس ويقيم الحجة عليهم عسى الله أن ينقذ بهم.
واليوم يموت من غرَّر بالناس ومدح هؤلاء وقال إن لهم كرامات مبرِّراً ما يقع من هولاء الضلَّال، فيُعدُّ في العلماء، والعالم لا يكون عالماً حتى يكون على نهج الأنبياء.
الثانية وقد تتقاطع مع الأولى: من لا تعُدُّ مثل هذا من (قضايا الأمة) ووالله إن وقوع الناس في الشرك أشد عليهم من الفقر والتفكك الأسري وتسلط الأعداء وغيرها، فكل ذلك لا يوجب الخلود في النار.
الثالثة: فئة ترى هذا منكراً ولكن إنكاره ليس أولوية، وإنما الأولوية لإنكار الأمور التي فيها مدخل للحقوق، لهذا يموت الرجل من القبورية فلا يذمونه إلا بتأييد الظلمة، وكأن هناك تزاحماً بين إنكار الشرك وإنكار غيره.
الأنبياء أنكروا الشرك وأنكروا معه كل منكر، ولكن عامتهم أنكروا الشرك.
الرابعة: فئة ستستفيد من الإنسانوية المنتشرة في زماننا والنفس الأمني، فيرمون كل من ينكر الشرك بأنه إرهابي وخطير على المجتمع، ويربطون بينه وبين جماعات محظورة بأسلوب خسيس، ولم يزل أهل العلم ينكرون الشرك والبلاء وما نسبهم أحد لهذا، وعلى طريقة هؤلاء لو أنكرت سب الله وسب الدين في مجتمع ينتشر فيه هذا فأنت إرهابي!
الخامسة: فئة طال عليها الأمد فما صارت تنكر مثل هذا، وكأنها زاهدة في الأجر، ورأوا أن مكانة طالب العلم ينبغي أن تُرفع بكثرة الحديث في الدقائق والمواضيع النخبوية، وحتى الردود والتنبيهات ينبغي أن يتقصد فيها النخب!
وهذا تلبيس من الشيطان، فما كان الأنبياء هكذا، بل كانوا رحمةَ الله للعالمين.