تدليس وتهويل على عادة صابر مشهور

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا الكلام ينطوي على كذب وتدليس وتهويل على عادة صابر مشهور، ولعله أخذ الكلام من الذكاء الاصطناعي.

حديث: “إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه” لم يروه الأعمش من الأساس، ولا ذلك مذكور في «التاريخ الأوسط» والبخاري أصالة يحتج بالأعمش في صحيحه.

وإنما ذكر البخاري الخبر من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة: أن معاوية لما خطب على المنبر، فقام رجل فقال قال ورفعه إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه.

وذكره من طريق آخر وقال إنه لا يثبت.

ثم ذكر عدة أخبار في ثلب معاوية من باب تتميم الفائدة، وأحدها يُروى من طريق الأعمش، والبخاري ما قال إن الأعمش افتراه، بل قال إن شيخه في الخبر لا يعرف له منه سماع، يعني أن الحمل على شيخه المجهول، ولم يتهمه كما زعم صابر.

ثم أجاب البخاري عن سبب رواية بعض الرواة لهذه الأخبار فقال: “599- قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش أنه قال نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب اتخذوها دينا وقد أدرك أصحاب النبي ﷺ معاوية أميرا في زمان عمر وبعد ذلك عشر سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله”.

فالبخاري ذكر اعتذار الأعمش بأنه كان يروي بعض الأمور المنكرة من باب التعجب، وعلى هذا يُحمل ما رواه بعض الناس، مثل خبر القتل على المنبر (والأعمش لم يرو الخبر من الأساس).

وقال الخلال في «السنة»: “669- أخبرنا محمد بن سليمان بن هشام، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: لو رأيتم معاوية لقلتم: هذا المهدي”.

فهذا ما يرويه الأعمش أيضاً، وله طرق عنه فهو ثابت.

وأما خبر: “قسيم النار” فلو رجعت إلى ضعفاء العقيلي الذي يعزو إليه صابر، لوجدت ما يلي:

قال العقيلي في «الضعفاء» [3/415]: “حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا محمد بن أبي سمينة، حدثنا عبد الله بن داود الخريبي قال: كنا عند الأعمش فجاءنا يوما وهو مغضب، فقال: ألا تعجبون؟ موسى بن ظريف يحدث عن عباية عن علي: أنا قسيم النار”.

وهذا إسناد صحيح للأعمش، فهو أنكر على موسى بن ظريف التحديث بالخبر، وهناك رواية أخرى في «الضعفاء» أن الأعمش كان يحدث به عنه فنصحوه وخضع، وإسناد هذه الرواية يمشي على طريقة صابر، فهو عين الإسناد الذي اعتمده ليقول إن خالد بن معدان كان رئيس شرطة يزيد.

ولم يتهمه أحد بوضع الخبر، بل الكل حملوه على موسى بن ظريف.

وأما كتاب «المعرفة والتاريخ» فصاحبه روى عن الأعمش تعجبه ممن يفضل علياً على أبي بكر وعمر، وقال أيضاً [3/ 764]: “حدثنا عبد الله بن نمير قال: سمعت الأعمش يقول حدثناهم بغضب أصحاب محمد ﷺ فاتخذوه دينا”.

وهنا يقصد الشيعة الذين أبغضوا الصحابة لما وقع بينهم من خلافات.

وفي «المعرفة» أيضاً: “حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال: تجهز ناس من بني عبس إلى عثمان يقاتلونه، فقال حذيفة: ما سعى قوم ليذلوا سلطان الله في الأرض إلا أذلهم الله في الدنيا قبل أن يموتوا”.

والإسناد كله شيعة، وهو أقوى من الروايات الأخرى عن حذيفة في ذم عثمان، وقد روى الأعمش هذه وهذه ليُبيِّن نكارة الأخرى، وقد ثبت عنه التحديث بحديث: «لا تسبوا أصحابي»، بل الحديث مداره عليه.

وصح عنه ذم السبئية، وحدث بحديث ابن مسعود حين قال في عثمان: «ولينا خيرنا ولم نأل».

وقال يعقوب: “حدثني أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش قال: ذهبت أنا وفطر إلى عبد الله بن أبي الهذيل نسأله عن حديث، فقال: يقتل عثمان وتسألون عن الأحاديث!
حدثنا أبو سعيد أخبرني أبو معاوية عن الأعمش قال: كان أبو صالح إذا ذكر عثمان يبكي حتى يقول: هاه هاه.
حدثني أبو سعيد أخبرني ابن إدريس عن الأعمش عن طلحة بن مصرف قال: أبى قلبي إلا حب عثمان”.

فهذه أخبار رواها الأعمش عن متقدمي الكوفيين في حب عثمان في المصدر الذي يعزو إليه صابر بلا حياء!