كثير من الناس إذا دعوته إلى السنن الظاهرة أو ترك بعض الذنوب، يقول لك: هذا مستحب وربك غفور رحيم، أو يقول: الله غفور رحيم.
وبعضهم يكون أوقح فيقول: هذه قشور واهتموا بقضايا أكبر، ويزعم عليك كذباً أنك لا شغل لك إلا هذا.
والحق أنني أدعوك إلى مغفرته ورحمته، فلو فرضنا جدلاً أن إطلاق اللحية والنقاب وتقصير الإزار وصلاة الجماعة وغيرها من المستحبات لا الواجبات.
فقد دلت السنة على أن الحرص على المستحبات من موجبات الرحمة.
قال البخاري في صحيحه: “1728- حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «اللهم اغفر للمحلقين» قالوا: وللمقصرين، قال: «اللهم اغفر للمحلقين»، قالوا: وللمقصرين، قالها ثلاثا، قال: «وللمقصرين»”.
ورواه مسلم، ورُوي عن ابن عمر بلفظ: «رحم الله المحلقين».
فانظر استغفر وترحم على المحلق ثلاث مرات، وفعل ذلك مع المقصر لشعره مرة، يعني يُغفر للمحلق ثلاث مرات قبل أن يُغفر للمقصر مرة.
وذنوبك التي ترجو مغفرتها هي أشد عليك من مرض يفتك ببدنك أو فقر يقضُّ مضجعك أو خوف أو حتى سجن.
فكل هذه الأمور لا توصلك لنار جهنم، والذنوب توصلك لنار جهنم، وأنت إن أصابك مرض بحثت عن أحذق طبيب رجاء زوال العلة بأسرع طريق، ففي طريق المغفرة ابحث عن أقوى طريق.
فالنبي ﷺ جعل سنةً مثل الحلق سبباً لدعائه ثلاثاً بالمغفرة، وعلى هذا فقس بقية السنن والتي فيها من الجهد والمراغمة لأعداء الله ما ليس في الحلق، بل كثير منها قيل بوجوبه.
فهل شعرت أنك تأتي يوم القيامة وأنت تبحث عن حسنة وترى ذنوبك أمامك وقد بلغت مبلغاً عظيماً، فيقال لك: قد غفرت وزالت بحرصك على السنة، كما غُفر للمحلق بحرصه على سنة التحليق بدعاء النبي ﷺ؟
ومن يسمي الشيء الذي فيه الرحمة والمغفرة قشوراً هذا محروم ومسكين، ما اكتفى بكسله حتى نفَّر من السنة وقال كلاماً فيه الهلكة.
ولا ينافي ذلك الحرص على كل خير ممكن والاهتمام بالقضايا الكبرى.