القنوط مفتاح الانحلال وعلاجه: {لا تقنطوا من رحمة الله}

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

القنوط مفتاح الانحلال وعلاجه: {لا تقنطوا من رحمة الله}…قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر ٥٣].

قد يبدو لك أن هذه الآية بابها الوعظ فحسب ولا دخل لها بالانحرافات الفكرية، غير أن علاقتها بذلك عميقة جداً.

كثير ممن تراهم يتظاهرون بأن عندهم شبهات أو إشكالات ويتذاكون على الشريعة، قد يكونون أتوا من استثقال الشريعة، واستثقالها جاء من تجربة تدين أو تصور عن الدين بابه القنوط.

يظنون أن كونك متديناً فهذا معناه ألا تذنب البتة، وهذا مفهوم منتشر حتى بين العوام، تراهم إذا رأوا ملتزماً يذنب رموه بالنفاق وإذا أذنب الواحد منهم رأوه أمراً عادياً.

فهو بعد هذا يشعر أن التدين أمر مثالي جداً ولا يمكن أن يوجد في الواقع، ومن ثم يعاديه، وهذا لا ينافي وقوعه في الشهوة، فإن الشهوة تقوده لمثل هذا.

ففي هذه الآية أن المرء المسرف على نفسه قد يغفر له، والمغفرة تكون بالتوبة، وهذا يشمل جميع الذنوب حتى الشرك.

وتكون بالحسنات المكفرة، وهذا للصغائر وللكبائر في قول إذا عظم الإخلاص.

وتكون بالاستغفار، والطاعات استغفار لأنها تكفر السيئات.

قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال ٣٣].

واستغفارهم كان التوحيد والصلاة، الذي به يثبت الإسلام، سماه الله استغفاراً لأن به تغفر الذنوب.

والمرء ما استمر على الطاعات قوي قلبه على ترك المعاصي والتخفف منها، ولهذا الشيطان له حيلة يدخلها على كثيرين، خصوصاً ممن ابتلي بإدمان بعض المعاصي، يقول له إن زلت قدمه: (أنت بسبب هذا الذنب منافق وما تغني عنك طاعاتك)، فيرفع هذا الذنب إلى درجة الكفر المحبط للأعمال في نفسه، فتراه يكسل عن طاعات كثيرة كان يفعلها، ولو بقي عليها لربما كانت كفارة لذنبه، ولا شك أنها ستكون معينة له.

وكثير من متتبعي الرخص دخلت عليهم هذه الشبهة فكان أهون عليهم أن يستحلوا الحرام، لا أن يعترفوا بأنه حرام وقد وقعوا فيه، ورأوا أن في ذلك نقضاً لكل تدينهم.

فالميزان يوم القيامة له كفتان، كفة تزن الحسنات وكفة تزن السيئات، وبعض الناس يتعامل وكأن الميزان ما له إلا كفة واحدة.