إنما يرزقهم الله بك كما رزقك بغيرك

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد»: “221- حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، قال: قال سليمان -عليه السلام- لابنه: يا بني، إن من سيئ العيش النقلة من منزل إلى منزل”.

أقول: يحيى هو ابن أبي كثير اليمامي الطائي، أحد ثقات التابعين المعروفين.

وقد وقع لي في الأربع سنوات الماضية أنني انتقلت من منزل إلى منزل أربع مرات، فجربت المذكور في الأثر.

وما كانت تلك عادة لي قبل السنوات الأربع الأخيرة، فلم أجرب النقلة مع أسرتي طوال حياتي إلا مرتين أو ثلاثة، والتجارب الشديدة إن جاءت على غير تعود من أيام الشباب يكون أثرها قوياً.

وكانت آخر مرة انتقلت فيها من منزل إلى منزل قبل يومين، وهي أثقلها لتوقيتها وظروفها وتكاليفها، واضطررت أن أتعامل مع كثير من العمال لحاجات متفرقة حتى أضجرني ذلك، فلا تكاد تنهي أمراً إلا وظهر لك آخر.

وربما يقع في نفسك أنهم قد يستغلون حاجتك وازدحام الأمور في ذهنك ورغبتك في انتهاء الأمر بعدما تمكن منك التعب أيما تمكن، فيرفعوا عليك السعر.

ثم تفكرت في الأمر ورأيت أن هؤلاء رزقهم مبني على حاجة الناس أمثالي لهم، وأن لهم عيالاً ينفقون عليهم.

فكان ما أمر به مفتاحاً لرزقهم، وتذكرت حديث رسول الله ﷺ الذي رواه مسلم: “20- (1522) حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، ح. وحدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يبِع حاضر لباد، دعوا الناس يرزُقِ اللهُ بعضهم من بعض»، غير أن في رواية يحيى: «يُرزَق»”.

فتأمل قوله: «يرزق الله بعضهم من بعض»، فإذا استحضرت أن الله يرزقهم بك كما رزقك بغيرك، وأن لهم عيالاً يفرحون بما يأتي على أهليهم، كما أن لك عيالاً يفرحون بما يأتيك من رزق، هان عليك ما تبذله دون أن تغبن غبناً ظاهراً، بل ربما جدت بشيء من عندك وإن لم يستحقوه.

لا يعني هذا أن يكون المرء مغفلاً، ولكن المراد فتح الباب لسخاء النفس وطيبها ومعرفة الخير في الأقدار المؤلمة.