ماذا لو رأى الليث بن سعد تمرد الفرق الباطنية في الشام؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: “وكانت الفتن شديدة بالمغرب ونيران الحرب تستعر وعليها الأمير حنظلة ابن صفوان فزحف إليه عكاشة الخارجي في جمع فالتقوا فكانت بينهم وقعة
لم يسمع بمثلها وانهزم عكاشة وقتل من البربر من لا يحصى ثم تناخوا وسار رأسهم عبد الواحد الهواري بنفسه فجهز حنظلة لملتقاه أربعين ألفا فانكسروا وولوا الأدبار وقتل منهم عشرون ألفا، ونزل عبد الواحد بجيوشه على فرسخ من القيروان، وكان فيما قيل في ثلاثمائة ألف، فبذل حنظلة الأموال والسلاح وعبأ عشرة آلاف فخرجوا ومعهم القراء والوعاظ وكثر الدعاء والاستغاثة بالله وضج النساء والأطفال وكانت ساعة مشهودة، وسار حنظلة بين الصفوف يحرض على الجهاد، واستسلمت النساء للموت لما يعلمن من رأي هؤلاء الصفرية، ثم كبر المسلمون وصدقوا الحملة وكسروا أغماد سيوفهم، والتحم الحرب وثبت الجمعان ثم انكسرت ميسرة الإسلام ثم تراجعوا وحملوا فهزموا العدو وقتل عبد الواحد الهواري وأتي برأسه، وقتل البربر مقتلة لم يسمع بمثلها، وأسر عكاشة وأتي به فقتله حنظلة وأمر بإحصاء القتلى بالقصب بأن طرح على كل قتيل قصبة ثم جمع القصب فبلغت مائة ألف وثمانين ألفا.
وهذه ملحمة مشهودة ما سمعنا بمثلها قط، وهؤلاء الكلاب يستبيحون سبي نساء المسلمين وذريتهم ودماءهم ويكفرون أهل القبلة، وتعرف بغزوة الأصنام باسم قرية هناك.
وعن الليث بن سعد قال: ما غزوة كان أحب إلي أن أشهدها بعد غزوة بدر من غزوة الغرب بالأصنام”.

وجاء في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير: “وقام العلماء في أهل القيروان يحثونهم على الجهاد وقتال الخوارج ويذكرونهم ما يفعلونه بالنساء من السبي وبالأبناء من الاسترقاق وبالرجال من القتل، فكسر الناس أجفان سيوفهم، وخرج إليهم نساؤهم يحرضنهم، فحمي الناس وحملوا على الخوارج حملة واحدة وثبت بعضهم لبعض، فاشتد اللزام وكثر الزحام وصبر الفريقان، ثم إن الله تعالى هزم الخوارج والبربر ونصر العرب، وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون، ولم يعلموا أن عبد الواحد قد قتل حتى حمل رأسه إلى حنظلة، فخر الناس لله سجدا.
فقيل: لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة، فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى، فعجز الناس عن ذلك حتى عدوهم بالقصب، فكانت عدة القتلى مائة ألف وثمانين ألفا، ثم أسر عكاشة مع طائفة أخرى بمكان آخر وحمل إلى حنظلة فقتله، وكتب حنظلة إلى هشام بن عبد الملك بالفتح، وكان الليث بن سعد يقول: ما غزوة إلى الآن أشد بعد غزوة بدر من غزوة العرب بالأصنام”.

أقول: تلك الكلمة المنقولة عن الليث بن سعد عجيبة.

غير أنه لاحظ نكاية أولئك المنحرفين بأهل الإسلام حتى وصل الأمر إلى سبي الحريم وزلزل أهل الإسلام زلزالاً شديداً، فلما هلكوا فرح الناس بهذا أيما فرح، وقال الليث بن سعد كلمته هذه التي انتشرت في كتب التواريخ، إذ عاد للمسلمين هيبتهم.

واليوم الفرق الباطنية من دروز وغيرهم تمردوا وطغوا في بلاد الشام واستعانوا بإخوان القردة والخنازير وسفكوا من الدماء الزكية الشيء العظيم.

فاللهم ثبت الأقدام واجعل العاقبة للتوحيد وتحكيم الشريعة، فإن ذلك أعظم ما يستعان به على نصر الله {إن تنصروا الله ينصركم}.

فإن المرء في آخر الزمان قد يرزقه الله مقاماً أمام أعداء الله يقارنه أهل العقل بمقامات الصحابة (ولا أحد يبلغ مد الصحابة ولا نصيفهم)، ولكن يقال هذا من باب تعظيم الأمر، كما قورن وقوف أحمد في المحنة بوقوف الصديق في الردة.

فلا تحسبوه شرا لكم بل هو خير.

قال تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما} [النساء ١٠٤].

وقال سبحانه: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} [آل عمران ١٤٠].

وقبل أيام كان الرافضة ومن عاونهم يزكون أنفسهم بعداوة إخوان القردة والخنازير، واليوم تراهم نقمة على أهل السنة يقفون مع أعوانهم، فتدبر فإن ذلك من تدبير الحكيم العليم ليقيم الحجة على الخلق.