مع وفرة التحليلات السياسية التي خيّمت على المشهد كان لا بد من كلمات في التعامل مع الله عز وجل.
في الأيام الماضية مع تسارع وتيرة الحرب أصيب كثيرون بالرعب، ومع أول خبر أو إشاعة عن توقف الحرب تنفسوا الصعداء (مع أنه مشكوك به).
شعروا بنعمة الأمن كما لم يشعروا بها قبل هذه المرة، كمريض حرمه مرضه من النوم، النومة التي يجدها بعد العافية لها لذة لا تشبهها لذة نوم مما اعتاده قديماً أيام إلف النعمة.
هذا اسمه تجدد العهد بالنعمة، فإن الإنسان طالما لازمته النعمة فإنه في الغالب لا يشعر بها ولا يستلذ، وكثير منهم يغفل عن حمد الله عز وجل عليها.
ولكن بعد الفقد يتجدد عهده بها ويعرف أثرها ومكانتها، فيكون الحمد والشكر متيسراً غاية، ألا ترى إلى بعض الناس إن رد غائبه أو شفي مريضه أنفق أموالاً كثيرة اغتباطاً بهذا ولا يشعر بأنه أسرف ولا يفكر بالفقر من شدة ما به من الفرح؟ بينما عامة الناس الذين عندهم أصحاء حاضرون ليسوا مستعدين لفعل هذا.
قال تعالى: {لإيلاف قريش (١) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (٢) فليعبدوا رب هذا البيت (٣) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (٤)} [قريش].
امتن عليهم بالأمن.
وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون} [القصص ٥٧].
وحين وعد الله الصحابة على صبرهم وجهادهم وتوحيدهم قال سبحانه: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور ٥٥].
وأعظم الأمن الأمن من عذاب الله عز وجل، وذلك يكون بالتوحيد والسنة.
{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام ٨٢].
فاعجب من إنسان يسعى للناس في الأمن من القتل وتدمير المنازل وغيره وذلك حسن، ويترك الأمن من عذاب الله عز وجل، فلا يحذرهم من الشرك الذي هو الظلم المذكور في هذه.
وقال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} [الأنعام ٤٢].
قد يُبتلى الإنسان بخوف فيدعو الله عز وجل ويلجأ إليه ويرزق توبة أو عملاً صالحاً، فيكون هذا الخوف في الدنيا سبباً في أمنه في الآخرة.
وقال الترمذي في جامعه: “2346- حدثنا عمرو بن مالك، ومحمود بن خداش البغدادي، قالا: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي شميلة الأنصاري، عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله ﷺ: من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”.
وهذا الحديث في صحته كلام وتنازع الناس فيه، إلا أن معناه يجده من تجدد عهده بالنعمة فأدرك لذتها، وتمام الحال أن يشكر الله عليها، فذلك الشكر خير له من الدنيا وما فيها، لأن ذلك رصيد له في الآخرة، والآخرة هي الباقية.