هذه الأيام في الكويت تتجاوز درجة الحرارة الخمسين درجة مئوية، ونجد الأمر أشد ما نجده عند الخروج إلى صلاة الظهر.
فبدا لي أن أكتب خاطرة عن هذا الأمر.
ورد الخبر بأن الشمس تقترب من الناس يوم القيامة قدر ميل ويلجمهم العرق: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما».
وهنا تأتي فائدة الظل المكتسب من الأعمال الصالحة.
قال ابن أبي شيبة في «المصنف»: “34815- أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى، قال: «الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة، وأعمالهم تظلهم أو تضحيهم»”.
هذا أثر صحيح عن أبي موسى الأشعري، وهو من نفائس المصنف، إذ له حكم الرفع وهو عام، فقوله «وأعمالهم تظلهم» يشمل كل عمل صالح، فالسياق سياق امتنان.
وقال أحمد في مسنده: “17333- حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله بن مبارك، أخبرنا حرملة بن عمران، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب، يحدث، أن أبا الخير، حدثه، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال: يحكم بين الناس»، قال يزيد: «وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا»”.
والسند من بعد ابن المبارك إسناد مصري جليل، وتأمل كيف أن راوي الحديث أبا الخير مرثد بن عبد الله اليزني مفتي أهل مصر في زمانه، كان لا يخطئه يوم إلا وتصدق، يتقي حر جهنم وحر الشمس التي تدنو من الرؤوس.
وعندنا الحديث المشهور عن أبي هريرة: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
وقد ذكر الصدقة أيضاً، ومن اللطائف أن هذا الحديث يرويه عن أبي هريرة رهط عمر بن الخطاب، وقد اشتهر بعدله، حتى إنه أول من يتبادر إلى الذهن بعد الصديق إذا ذكر أئمة العدل.
وقد قال تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} [التوبة].
ففُهم من الآية أن النفير في سبيل الله سبب للوقاية من حر جهنم، وكان من فقه الصحابة أنهم يعتبرون الصلاة من سبيل الله.
قال البخاري في صحيحه: “907- حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا يزيد بن أبي مريم الأنصاري، قال: حدثنا عباية بن رفاعة، قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعت النبي ﷺ يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار»”.
فالرجل خارج إلى صلاة الجمعة ونزَّل عليه خبر: «من اغبرت قدماه في سبيل».
فيرجى لمن أصابه الحر في ذهابه للصلاة أن يقيه الله حر الشمس يوم القيامة، على ما ورد في خبر أبي موسى ونظير ما ورد في تبشير المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة، خصوصاً مع ما ورد من أن النار أكل بعضها بعضاً فأذن لها بنفسين، فأشد ما نجد من الحر فذلك من أنفاسها.
وأما اتباع السنة فالحر يتلازم مع العطش، والعطش ينقطع بورود الحوض، والحوض يورد بالسنة، فالذي يصد عنه: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
استحضر هذه المعاني كلها يهن هذا الحر.