
هذا الكلام يستحسنه كثيرون، وهو باطل مناقض للنصوص، وإن ظهر بلبوس الاستدلال بالنص.
قال الله تعالى في تتمة الآية التي ذكرها: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال].
والطريف أن أكثر الأشعرية وعامة الماتريدية ينكرون زيادة الإيمان ونقصانه، ويتعسفون في دفع دلالة الآية.
وقال أبو المعين النسفي كما في «العقائد النسفية»: “وإذا ثبت أن الإيمان هو التصديق، وهو لا يتزايد في نفسه، دل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان له بارتكاب المعاصي، إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما”.
وقد قال النبي ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله».
فمن كان اعتقاده صالحاً ليس كمن كان اعتقاده فاسداً، وقد اتفق الجميع على أن هناك حقاً وباطلاً في خلافياتهم.
وقد قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء].
فإما أن يكون هناك من رد إلى الله ورسوله فأصاب وآخر ما فعل فضلَّ، وإما لا يكون لله ورسوله قول في مباحث الإلهيات والقدر والإيمان مما تنازعت فيه الأمة أشد التنازع، وهذا قول قبيح غاية.
قال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيِّن لهم الذي اختلفوا فيه ۙ وهدًى ورحمةً لقوم يؤمنون} [النحل].
وقد كان النبي ﷺ يدعو: «وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك» فمن آمن بوجهه وصفاته، سيكون شوقه كمن كفر بهذا كله وقال برؤية عجيبة إلى غير جهة ووجه وتنتهي إلى تفسير الرؤية بمزيد علم فقط؟
عامة المشاهد في الآخرة متعلقة بصفاته سبحانه؛ يقول الأنبياء إن الله غضب غضباً لم يغضب من قبل مثله، الناس يخاطبون آدم بأنه من خلقه الله بيده وموسى بأنه من كلمه الله وخصه بذلك، يكشف سبحانه عن ساقه فيسجد له أهل الإيمان، يتجلى لهم ضاحكاً، يقبض قبضةً فيُخرِج بها من النار أهل إيمان إلى الجنة، يحثي بكفه حثيات، يضع قدمه على جهنم فتقول: قط قط، يستر عبده بكنفه، يكلمهم ليس بينه وبينهم ترجمان، يسجد النبي ﷺ تحت عرشه، يدني منه المقتول المظلوم، ينادي بصوت يسمعه من قرُب كمن بعد، يحتجب عن الكفار، ويراه أهل الإيمان في أعظم ثواب يرجونه.
فما الذي أنكر الحوض والميزان والصراط بأشقى ممن أنكر الصفات وحمل هذا كله على مجازات، فاستحال يومُ القيامة أمراً آخر تماماً، فكان له نصيب من قـولـه: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} [الكهف].
واللقاء: الرؤية.
حقيقةُ هذا الطرح أن عامة تراثنا العقائدي خطير ومتطرف ويحول دون الأمة ونهوضها، وأن من تأخر أورع وأفقه ممن عظَّم تلك المباحث من المتقدمين، وهذا كطرح العالمانيين والحداثيين.