
هذا الشاب انتحر قبل يوم أو يومين وترك هذه الرسالة، وسواءٌ كان هذا صحيحاً أم لا، فلا بد من الاعتبار، لأن كثيرين مثله، فأقول:
الأمر مؤلم ولكن لا بد من التعليق حتى لا يتكرر الأمر.
هذا أنموذج عما شرحته في صوتية (عقدة البطل الفاشل).
هذا الشاب مع ظهور أن حوله أناساً يحبونه، إلا أن سبب انتحاره هو أنه بلغ الخامسة والثلاثين ولم يصنع شيئاً.
فأقدم على جريمة قتل نفسه مع عظيم ما جاء في النهي عنها في شرع الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً (٢٩) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً} [النساء].
سبب هذا البلاء أن كثيراً من الشباب حُصِروا في خانة (الإنجاز الدنيوي)، وصار الواحد منهم يشعر بأنه لا شيء إن لم يحقق هذا الإنجاز بدرجة معينة.
حتى يصير نجاح من حوله وبالاً عليه ومدعاةً لتعييره، أو لومه هو لنفسه، دون أن يدرك أنه قد تكون أمامه عقبات ليست أمام الآخرين، أو عندهم تسهيلات ليست عنده.
وحتى مع تقاعسه ما زالت نعم الله تحيط بالمرء، حتى إنه يقول في صلاته «ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد» وهو صادق في قوله، فلو شاهد نعمة الله حقاً لأدركها، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل].
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إلا أن يكون قد وَثقَ بعمله، فإنه إن مات أحدكم انقطع عنه عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيراً».
تـأمـل: عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً، سواءٌ أنجز في الدنيا أم لم ينجز كما ينبغي، لأن الدنيا مزرعة الآخرة.
وفي الحديث الآخر عن النبي ﷺ: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».
كثيرون كما ذكرت مثله، ولكن منهم من يلجأ للإدمان أو الجريمة أو الخرافة بسبب هذا الضغط، خصوصاً مع ما يكثر في مواقع التواصل من مباهاة بعضهم بنجاحه، والذي قد يكون بطرق غير شرعية أو هو استدراج وبلاء.
وفي الحديث: «رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره» رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
فهذا لا يراه الناس شيئاً، ولكنه عظيم القدر عند الله عز وجل.
هذه ليست دعوى للابتعاد عن طلب الرزق بالمعروف، فهذا أمر مطلوب، ولكنها دعوة لإعادة هذا الأمر إلى نصابه، من غاية الغايات إلى وسيلة فحسب.