الرد على غلط (أبو فلة) في دعوى تعظيم الإسلام لمعابد النصارى

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا كلام لحسن (أبو فلة)، أحد أكبر صناع المحتوى في العالم العربي، يتابعه الملايين من الشباب والأطفال.

يذكر مثل هذا الكلام والذي قد يستحسنه كثيرون، خصوصاً وأنه استدل بآية.

غير أن كلامه غلط، ويعظم هذا الغلط أننا في زمن التمييع.

هذا الاستدلال من باب اتباع المتشابه، والعجيب أن أقدم من استدل به على دعوى أن الإسلام يُعظِّم دُور العبادة عند أهل الكتاب هم النصارى.

قال ابن تيمية في «الجواب الصحيح»: “فصل: ردُّ دعواهم تعظيمَ الإسلامِ لمعابدهم”.

ثم ذكر الجواب عن استدلالهم، فبيَّن أن المفسرين ذكروا أن المقصود بالبيع والصلوات ما كان قبل زمن النبي ﷺ، قبل أن تُنسخ هذه الأديان.

وبعضهم قال إن هذا امتنان على أهل الكتاب في مقابل من هم شر منهم، مثل المجوس أو غيرهم، فهذه الدور إذا فتحت البلاد عنوة هُدمت في قول عامة الفقهاء، وإذا فتحت الأرض صلحاً أُقرَّت، وهنا فقط تُقرُّ، ومعنى هذا أنها لو استبدلت بمساجد فذلك خير.

وقال كثيرون إن ذكر اسم الله كثيراً خاص بالمساجد فحسب.

فإن تنطع شخص وقال: هذا كلام مفسرين، الآية واضحة!

فنقول له: بل هذا فهم من يأخذ القرآن كله، قال تعالى: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا • ‏لقد جئتم شيئًا إدًّا • تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا • أن دعوا للرحمن ولدًا • وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا﴾ [مريم].

فهل يكون المكان الذي يُذكر فيه هذا الذي تكاد السماوات يتفطرن منه محترماً ومحل إجلال وتقدير!

قال ابن تيمية في «الجواب الصحيح»: “فهدم صوامع النصارى وبيعهم فساد إذا هدمها المجوس والمشركون، وأما إذا هدمها المسلمون وجعلوا أماكنها مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً فهذا خير وصلاح”.

وقال في «الرد على البكري»: “ولم يذكر بيوت الشرك كبيوت الأصنام والمشاهد، ولا ذكر بيوت النار، لأن الصوامع والبيع لأهل الكتاب، فالممدوح من ذلك ما كان مبنياً قبل النسخ والتبديل، كما أثنى على اليهود والنصارى والصابئين الذين كانوا قبل النسخ والتبديل يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحاً.
بخلاف بيوت الأصنام وبيوت النار وبيوت الصابئة المشركين، كالذين يسمونه هيكل العلة الأولى، هيكل العقل، هيكل النفس، هيكل زحل هيكل المشترى، هيكل المريخ، هيكل الشمس، هيكل عطارد، هيكل الزهرة، هيكل القمر، فإن هذه البيوت ليس في أهلها مؤمن ولم يكن في أهلها عبادة أمر الله بها”.

ولتلميذه ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» ترجيح لقوله الذي في «الجواب الصحيح»، حيث قال: “فإن الآية دلت على الواقع، لم تدل على كون هذه الأمكنة -غير المساجد- محبوبةً مرضيةً له، لكنه أخبر أنه لولا دفعه الناس بعضهم ببعض لهدِّمت هذه الأمكنة التي كانت محبوبةً له قبل الإسلام وأقرَّ منها ما أقرَّ بعده، وإن كانت مسخوطةً له، كما أقرَّ أهلَ الذمة، وإن كان يُبغِضهم ويمقُتهم ويدفع عنهم بالمسلمين مع بُغضه لهم”.