لاحظت في الأيام الأخيرة في ظل أحداث حرب باكستان والهند -كسر الله شوكة الهندوس ونصر المسلمين وسلمهم- كثرة الاستشهاد بهذا الحديث:
قال أحمد في مسنده: “22396- حدثنا أبو النضر، حدثنا بقية، حدثنا عبد الله بن سالم، وأبو بكر بن الوليد الزبيدي، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن لقمان بن عامر الوصابي، عن عبد الأعلى بن عدي البهراني، عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ، عن النبي ﷺ قال: «عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم»”.
والحديث عند النسائي في «المجتبى»، والبخاري في «التاريخ الكبير»، وابن أبي عاصم في «الجهاد» وغيرهم.
وهو حديث صحيح.
ولا أدري كيف نسي الناس في ظل حديثهم عن هذا الحديث أن ينزلوه على فاتح الهند ومحطم أصنامها (محمود بن سبكتكين)، فالناس ذكروا فضيلة يزيد في غزو البحر ويتحدثون دائماً عن فضيلة محمد الفاتح في حديث: «لتُفتحَن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش» مع أنه حديث ضعيف، والقوم يستدلون به لتقوية عقيدتهم، مع أن عقيدتهم لا تُبنى على أخبار الآحاد بزعمهم!
محمود الغزنوي أو محمود بن سبكتكين هو فاتح الهند، وذِكر هذا الحديث يقتضي أن نعتبره فضيلة له، ولكن هذا الرجل منسي لشدته في أمر العقائد والله أعلم، فقد كان يلعن الأشاعرة على المنبر، وعامة المسلمين يجهلون أنه فاتح الهند.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» [15/510] ط. دار هجر: “وفيها غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فافتتح مدنا كبارا منها، وأخذ أموالا جزيلة، وأسر بعض ملوكهم، وهو ملك كواشى حين هرب منه لما افتتحها، وكسر أصنامها، فألبسه منطقة، وشدها على وسطه بعد تمنع شديد، وقطع خنصره، ثم أطلقه؛ إهانةً له وإظهارا لعظمة الإسلام وأهله”.
قال ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية»: “لكن ذكر بعض المصنفين من النفاة أيضا أنهما تناظرا بحضرة ولي السلطان محمود بن سبكتكين وكان من أحسن ملوك أهل المشرق إسلاما وعقلا ودينا وجهادا وملكا في آخر المائة الرابعة وكانت ملوك في خلافة القادر وكانت قد انتشرت إذ ذاك دعوة الملاحدة المنافقين الذين كانوا إذ ذاك بمصر”.
إلى أن قال الشيخ: “واعتمد السلطان محمود بن سبكتكين في مملكته نحو هذا وزاد عليه بأن أمر بلعنة أهل البدع على المنابر فلُعِنت الجهمية والرافضة والحرورية والمعتزلة والقدرية ولُعِنت أيضا الأشعرية حتى جرى بسبب ذلك نزاع”.
وقال محمد الطاهر بن عاشور في مقالته عن المجددين: “فظهر السلطان محمود بن سُبُكتكين الغزنوي يمين الدولة، وصار إليه الملك بغزنة سنة 388 هـ، وكان من أشد الثوار المتغلبين على الدولة العباسية، ومسّ بحروبه سائر الممالك التي استبدت على الدولة العباسية. كان محمود بن سُبُكتكين بَدَا له في سنة 392 هـ أن يأتي عملا يكون كفارة عما فرط منه في ابتداء تأسيس سلطانه من قتال المسلمين؛ فصمم العزمَ على أن يفتح للإسلام بلادَ الهند، فأخذ يستعد لغزو الهند، وهجم على تخومها، وكان يفتح البلاد، ويحمل أهلها على الإسلام.
وكانت الحربُ سجالا، والهدنة تعقب قتالا، وكان ملوك الهند كلما أحسوا بانصراف يمين الدولة عنهم نقضوا طاعتَه وكفروا، إلى سنة 406 هـ[حينما] غزا الهندَ غزوتَه الفاصلة، فجهَّز جيشا عظيما، فابتدأ بغزو بلاد الأفغان، ثم اخترق بلادَ الهند وعبر نهر الكنك، وأوقع ببلاد الهند وقائعَ عظيمة. فلما رأى ملوكُ الهند أن لا قِبل لهم بمقاومته، اجتمعوا على أن يراسلوه في الصلح، وبذلوا الطاعةَ له، فتم له استصفاء بلاد الهند في سنتي 409 و410 هـ، وصارت بلاد إسلام”.
وله فضائل كثيرة بسطتها في مقال مستقل، مثل حمايته للحجاج العراقيين بعدما امتنعوا عن الحج من قطاع الطرق، ولما حصل قحط ومجاعة في نيسابور أغاثهم بعون الله حتى استردوا عافيتهم، وكسر الباطنية الإسماعيلية.
وخفت ذكره وخفتت فضيلته بسبب دعاية المعطلة وإهمال أهل الحق ذكر أعلامهم، وللسلطان محمود أحوال مع الأشاعرة ومنافرة لهم، حتى نسبه أبو الوليد الباجي إلى سم ابن فورك، وما نسبه لهذا إلا لشدة الخلاف بينهم، ونسبوه إلى مذهب الكرامية على عادتهم فيمن يخالفهم، ويذكر الشافعية عنه أنه ترك مذهبه الحنفي محباً للتدين بالحديث بعدما رأى أن الحق في الحديث، والله أعلم بصحة هذا، ولكن يشير للأمر قوة علاقته مع أبي حامد الإسفراييني مجدد الشافعية.
ويقول الباحث الجهمي مهنا المهنا في حسابه في موقع إكس: “مع أن السلطان محمود بن سبكتيكين على جهاده العظيم كان من فرقة (الكرامية) المجسمة وهم أسلاف وآباء السلفية المعاصرة في العقيدة”.
إذن يجوز عندك أن يكون الرجل مجاهداً عظيماً وفاسد العقيدة، فعلام تتكثر بأن منا فلان ومنا فلان! ولكن الغزنوي زاد أن معه حديثاً في فضله، وهو أقوى مما تذكرون في شأن الفاتح، فتأمل.