خبر مغفول عنه في صحيح البخاري في أثر الصدقة على زيادة الرزق

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه: “١٣٥٠- حدثنا سعيد بن يحيى: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن أبي مسعود الأنصاري قال:

كان رسول الله ﷺ إذا أمرنا بالصدقة، انطلق أحدنا إلى السوق، فتحامل، فيصيب المد، وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف”.

أقول: معنى الخبر أن النبي ﷺ كان يحث الصحابة على الصدقة، فلا يجد أحدهم ما يتصدق به زائداً عن قوت عياله.

فيذهب ويعمل خصيصاً ليصيب صدقة، فيربح مداً، وهو قدر ملء الكف من حنطة أو شعير، وهو أمر يسير جداً، فيتصدق به راجياً الثواب من الله.

ثم قال أبو مسعود إن هؤلاء الذين ما كانوا يجدون ما يتصدقون به، لأحدهم مائة ألف دينار اليوم (يعني وقت تحديثه بالحديث بعد وفاة رسول الله ﷺ).

والمائة ألف دينار ذهب تساوي ملايين اليوم، وإن كانت فضة فهي تساوي ثروة أيضاً.

وما ذكر ذلك إلا ليُبيِّن بركة الصدقة.

وفي رواية أحمد في مسنده يذكر تعليق شقيق بن سلمة على قول أبي مسعود: “فرأيت أنه يعرِّض بنفسه”.

يعني أن الرجل الذي كان لا يجد إلا مداً في زمن النبي ﷺ ليتصدق به ثم صار عنده مائة ألف دينار هو أبو مسعود نفسه.

وهذا التعليق من شقيق بن سلمة أبي وائل يبطل تأويل من تأول الخبر على أن أبا مسعود يبكت من عنده مائة ألف ولا يتصدق، بل هو يعني نفسه ونظرائه من الصحابة، فقوله “وإن لبعضهم” عائد على أقرب مذكور، وهم الصحابة.

وهذا الخبر مؤكد لمعنى الخبر الوارد في دعاء الملكين «اللهم أعط منفقاً خلفاً» وخبر: «ما نقص مال من صدقة».

والمؤمن لا يعول على الثواب الدنيوي، بل يكون همه ثواب الآخرة، ولكن رب العالمين يرينا شيئاً من رحمته في الدنيا لتتشوف نفوسنا لثواب الآخرة، وهذا في حق المخلص المتبع وأما غيره فمستدرج.