هل هو مستعد أن يكون عبداً لله؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال حسين حسيني معدي في كتابه «الرسول ﷺ في عيون غربية منصفة» صـ٤٨: “[مركزية الله أم مركزية الإنسان] إن المشكلة الرئيسية في علاقة الغرب فكرياً بالعالم الإسلامي، وعداء الغرب للنبي ﷺ، هو مركزية الله تعالى في الكون لدى المسلمين، والتي تتجسد فى دعوة محمد ﷺ، وفي دين الإسلام وفي واقع الأمة الإسلامية بصرف النظر عن درجة تدين والتزام أفراد هذه الأمة.
إن الغرب في المقابل ينطلق فكرياً -وبكل فئات مجتمعاته وكل مفكريه- من فكرة مركزية الإنسان في الكون، وأن الفرد هو مركز الاهتمام الرئيسي، وأن تطلعات الفرد وحقوقه وحرياته تقدَّم على أي أمر آخر، وحتى أمور العبادة وعلاقة الفرد بالإله.
إن الغرب يرى أن محمداً ﷺ قد قدم مفهوماً يمكن أن يهدم الفكر الغربي من أساسه.. وهو مركزية الله تعالى في حياة البشرية، مقابل نظريات الغرب التي تقوم على مركزية الإنسان، لذلك اختار الغرب أن يجعل عداء الإسلام ضمن منظومة قيمه الرئيسية، لأنه بذلك يتمكن من إبقاء الفرد مركزاً للكون في مواجهة دعوة محمد ﷺ التي حافظت على مكانة الخالق جل وعلا ومركزيتها في حياة البشر.
وحول ذلك تحدثت المؤلفة البريطانية كارين أرمسترونج صاحبة كتاب «محمد» قائلة: «علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية، التي بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملات الصليبية وهي بداية استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى، فالقرن الحادي عشر كان بداية لأوروبا الجديدة وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة”.

أقول: هذا المعنى لطالما دندنت حوله.

وهو أن كثيراً من الغربيين ومن تأثر بهم من الزنادقة المعلنين أو المنافقين، مشكلته مع الدين أن هناك شيئاً اسمه (حق الله) وحق الله هذا أعظم من حق المخلوق.

فيثقل على نفوسهم جداً أن يكون ترك الصلاة أو عدم الإيمان بالغيب أعظم جرماً من التحرش أو التنمر أو السرقة، مع كون هذه الأخيرة منهياً عنها في الشرع.

تربينا على تعظيم الإنسان الغربي وأنه مفكر حر ولا يقبل الأمور إلا مبرهنة، وهذا باطل، فعقولهم قديماً قبلت التثليث وخرافات كثيرة، وحديثاً أكثرهم قبل العدمية ونظريات مزخرفة، ولكنها منتهاها قريب إلى المحال الموجود في التثليث، بل أعظم منه، ويكفيك ميل كثير منهم إلى الإلحاد الذي حقيقته أن شيئاً جاء من لا شيء ومع مرور الزمن تراكم كل شيء وتعقد بركام من الصدف السعيدة التي هي بالملايين!

في الحقيقة النفوس الطاغية تبدأ بإيراد الاعتراضات على الأفكار التي لا تعجبها، كما كان الكفار عباد الأوثان يطالبون الأنبياء بالبينات ولا بينة عندهم على ما هم فيه من الشرك.

حقاً عموم النظريات الغربية المتعارضة إنما تعِد بمصلحة الإنسان الحاضرة، ولذا خلاصة الحوار معهم في الدين أن تعرف هل هم مستعدون أن يكونوا عباداً لله؟ أم يريدون ديناً يعطيهم ولا يأخذ منهم وإلا رفضوه؟

قال تعالى: ﴿فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ [القصص].

وفي سيرة ابن هشام في قصة الطفيل بن عمرو: “ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبطئوا علي، ثم جئت رسول الله ﷺ بمكة، فقلت له: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم، فقال: اللهم اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم”.

وكثير ممن تجدهم يقولون (الناس وصلوا إلى كذا وكذا، وأنتم لا زلتم في مسائل الصفات أو الصحابة أو الطهارة أو غيرها) اعلم أنهم متأثرون بهذه النظرة، فهذه ليست شبهة، وليس مما يزهِّد في الدين أن يكون فيه أمور من حق الله تُعتبر أعظم من الأمور التي هي من حق البشر ويتفق عليها المسلم والكافر.

فعلامة الدين الصحيح أن يكون الأعظمُ فيه حق الله، فما كان من الله، كان حق الله فيه أعظم، وما كان من الخلق، كان مداره على الخلق.

وليس معنى هذا إهمال حقوق البشر بحسب الشرع، بل ذلك أمر يُتقرَّب به إلى الله عز وجل، غير أن القصد أنك تراهم يُقدِّرون كل أمر فيه مصلحة للبشر، وما يرون فيه ضرراً أو تقديماً لحق الله يستثقلونه أشد الاستثقال.