التعليق على كلام النابلسي: لا فضل لطائفة على أخرى بل الفضل لمن وقف مع الحق

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الدكتور محمد راتب النابلسي سليل عبد الغني النابلسي، الذي كان معظماً لابن عربي، وأظنه هو الآخر يُظهر احترامه لابن عربي.

حين قرأت هذا الكلام تذكرت كلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» [2/98]: “حقيقة مذهب الاتحادية -كصاحب الفصوص ونحوه- الذي يؤول إليه كلامهم ويصرحون به في مواضع أن الحقائق تتبع العقائد،وهذا أحد أقوال السوفسطائية، فكل من قال شيئا أو اعتقده، فهو حق في نفس هذا القائل المعتقد”.

هذا المذهب الذي نسبه ابن تيمية لابن عربي (الحقائق تتبع العقائد) هو نفسه مذهب دعاة التعددية واللادينية والعلمانية المتوسطة، والذي خلاصته: (لا يوجد دين حق، لهذا لا يصلح لأحد أن يستعلي بدينه على الآخرين)، أو (حتى لو كان هناك دين حق، فلا يمكن لأحد إثبات ذلك أو إلزام الآخرين بذلك أو العمل على أساسه).

ومن هنا جاء (ذم الطائفية) مطلقاً، فمن وضع مصطلح ذم الطائفية أراد به ذم كل تميُّز لأهل الحق على أهل الباطل، فحتى امتناع المسلم من تزويج نصراني طائفية.

ولن أقول لك عن أحاديث مثل «اضطروهم إلى أضيق الطريق» وغيرها، فهذه ضاقت بها الصدور اليوم.

وخلَط بين هذا والحب في الله والبغض في الله، وممارسات تؤدي إلى زعزعة عظيمة في الأمن وليست شرعية، وبهذا الخلط دخلت العلمانية المتوسطة على خلق كثير (أن تكون الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان)، وهذه فكرة مغلوطة، فالعالمانية في نفسها دين، وهي تحكم في القضايا الإباحية بمذهبها، فهذا يشبه أن يقول مسلم: أنا أكون على مسافة واحدة من كل الطوائف النصرانية التي تكفِّر بعضها بعضاً.

ولو فرضنا إمكانية الفكرة فليست موافقة للشريعة، وهي باطلة، وفيها تضييع للدين لأجل الدنيا، والدنيا مزرعة الآخرة، لا العكس.

فإن قيل: إنما أراد الدكتور ممارسات الفتنة والمشاكل.

فيقال: فما باله يعبر بألفاظ عامة تفتن الخلق في زمن انتشار هذا البلاء بين الناس؟

وقوله: لا طائفية ولا تمايز بينهم إلا بالحق، كأنه أخذ نسق الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» وحوله على الأديان! والأديان فيها الحق وفيها الباطل، ليست كالأعراق، فلا يقال: لا فضل لمحق على مبطل إلا بالحق!

هذا كله فرع عن فلسفة تنكر وجود حق موضوعي، وتتناقض إذ تزعم أنها حق، وقد ترتب على هذه الفلسفة رؤية سياسية، فلا يصلح أن نعامل هذه الرؤية بمعزل عن أصلها الفلسفي، خصوصاً مع افتتان كثير من الناس به.

ولا يمكننا أن نعزل (الطوائف) عن عقائدها ومصالحها المذهبية وتاريخها، هذا خطاب محلق ومخدر، من تعاطاه ضاع.