الرد على حاتم العوني في نسبته إباحة الغناء للإمام الشافعي

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا ما يجتهد الدكتور حاتم العوني في نشره بين العوام بحماس شديد يغلب على حماسه في حثهم على كتاب الله عز وجل.

كلام الشافعي يُجمع بعضه إلى بعض، ولا يختلف الشافعية في نسبته إلى تحريم الغناء بالمعازف.

قال الشافعي في «الأم» [6/226]: “في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعته يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا، والمرأة، لا تجوز شهادة واحد منهما؛ وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفا، وإن لم يكن محرما بيِّن التحريم، ولو كان لا ينسب نفسه إليه، وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها، ولا يأتي لذلك، ولا يؤتى عليه، ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته، وكذلك المرأة.

قال الشافعي رحمه الله تعالى: في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع عليهما، ويغشى لذلك فهذا سفه تُردُّ به شهادته، وهو في الجارية أكثر مِن قِبل أن فيه سفها ودياثة، وإن كان لا يجمع عليهما ولا يغشى لهما كرهت ذلك له، ولم يكن فيه ما تُردُّ به شهادته.

قال: وهكذا الرجل يغشى بيوت الغناء، ويغشاه المغنون إن كان لذلك مدمنا، وكان لذلك مستعلنا عليه مشهودا عليه فهي بمنزلة سفه ترد بها شهادته. وإن كان ذلك يَقِلُّ منه لم ترد به شهادته لما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بيِّن.

استماع الحداء ونشيد الأعراب:
فأما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قل أو كثر”.

هذا كلامه وهو واضح في تحريم الغناء، بدليل إسقاط شهادة من اعتاده ومال إليه وعُرِف به وأكثر منه.

وأما الأمر اليسير بينه وبين نفسه فهذا أهون عنده.

وأما الخبر المذكور فتفسيره على التفريق بين السماع والاستماع.

قال ابن القيم في كتابه «مسألة السماع»: “ونظير هذا احتجاجكم بغناء الجويريتين في بيت النبي ﷺ وأنَّه سمعه ولم ينكره، فأخطأتم في النظر، ولم تفرقوا بين فعل النبي ﷺ وفعلكم، ولا بين فعل نافع وفعلكم، فأنتم تقصدون الاستماعَ، والسماع غير الاستماع، وكذلك فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع، فاستحبوه للمستمع، ومنهم من أوجبه عليه، بخلاف السامع. والسامع هو الذي يصل الصوت إلى مسامعه من دون قصدٍ إليه، والمستمع المصغِي بسمعه إليه، والأول غير مذموم فيما يذم استماعه، ولا ممدوح فيما يمدح استماعه، وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55]، فمدحهم على الإعراض عنه، ولم يذمَّهم على سماعه إذا كان عن غير قصد منهم”.

فالخلاصة أن من وقع له سماع الغناء دون قصد لا يلزمه أن يضع أصبعيه في أذنيه، ويستحب له فعل ذلك.

وأما الاستماع بقصد فهو خارج عن هذا.

قال العمراني الشافعي في «البيان»: “فإن قصد إلى استماع المنكر أثم بذلك. وإن لم يقصد إلى استماعه، بل سمعه من غير قصد لم يأثم بذلك؛ لما روى نافع -رضي الله عنه- قال: (كنت أسير مع ابن عمر -رضي الله عنهما وأرضاهما-، فسمع زمارة راع، فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول: أتسمع يا نافع؟ حتى قلت: لا، فأخرج إصبعيه من أذنيه، ثم رجع إلى الطريق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ صنع).
فموضع الدليل: أن ابن عمر -رضي الله عنهما وأرضاهما- لم ينكر على نافع سماعه. ولأن رجلًا لو كان له جار وفي داره منكر ولا يقدر على إزالته فإنه لا يلزمه التحول من داره لأجل المنكر”.

وفي «نهاية المحتاج» من كتب الشافعية: “والخبر المروي في شبابة الراعي منكر، وبتقدير صحته فهو دليل التحريم لأن ابن عمر سد أذنيه عن سماعها ناقلا له عن النبي ﷺ ثم استخبر من نافع هل يسمعها فيستديم سد أذنيه، فلما لم يسمعها أخبره فترك سدهما، فهو لم يأمره بالإصغاء إليها بدليل قوله له أتسمع ولم يقل له استمع، ولقد أطنب خطيب الشام الدولعي في تحريمها وتقرير أدلته ونسب من قال بحلها إلى الغلط وأنه ليس معدودا من المذهب، ونقل ابن الصلاح أنها إذا اجتمعت مع الدف حرما بالإجماع ممن يعتد به”.

وما أكثر ما يهجون السلفيين بترك التمذهب ثم تراهم يتلمَّسون الرخص خارج كتب المذاهب وداخلها، فعُلِم أن بلاءهم مع السلفية لا من خلاف منهجي، بل نزاع هوى.