خدعة البراندات: التجارة بأمراض الناس النفسية والاستثمار بفقر القلوب

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

كثير من الناس رأوا ما أبرزته الصين في سياق الحرب الإعلامية مع الولايات المتحدة، من أن كثيراً من البراندات العالمية التي تكلف مئات آلاف الدولارات هي بضائع رخيصة التكلفة صنعت في الصين.

وجدت مقالاً مكتوباً قبل عام (في عام 2024) يكشف هذا الأمر، ولكن الكاتب ذكر أموراً كثيرة جيدة.

المقال لليونيداس رايسيني، رجل أعمال ومستثمر، عنوانه: العلامات التجارية الفاخرة مجرد احتيال: كيف علمتُ أنها تستهدف الفقراء؟

“لقد أتقنت العلامات التجارية الفاخرة فنَّ خلق الرغبة، إنها تستغل أشخاصاً مثلي، أولئك الذين يعتقدون أن قيمتهم الذاتية مرتبطة بالشعارات وبطاقات الأسعار ووهم الحصرية.

تريد هذه العلامات التجارية أن تجعلك تعتقد أن منتجاتها متفوقة، وأن إتقانها في الصنع يبرر أسعارها الباهظة، لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. لقد وقعتُ في هذا الوهم، كما وقع فيه كثيرون، لكنني أدركت منذ ذلك الحين أن العلامة التجارية الفاخرة ليست سوى واجهة -خدعة مصمَّمة للتلاعب والاستغلال.

نشأتُ في دبي، مدينة تزدهر بالثراء، وكنت محاطاً بسحر العلامات التجارية الغربية الفاخرة، كنت أعتقد أن شراء السيارات والملابس والإكسسوارات باهظة الثمن رمز للنجاح، ما لم أدركه حينها هو أن هذه العلامات التجارية تستغل انعدام الثقة بالنفس، مستغلةً الحاجة إلى التباهي، مع مرور الوقت اكتشفتُ أن العلامات التجارية الفاخرة لا تتعلق بالجودة أو الإتقان؛ بل بالربح والوهم.

لماذا تُعتبر العلامات التجارية الفاخرة خدعة؟

أتقنَت العلامات التجارية الفاخرة فنَّ الخداع، لكن خلف صورتها المصقولة يكمن واقعٌ أقل بريقاً بكثير، تُنتَج العديد من هذه السلع باهظة الثمن في نفس المصانع التي تُنتَج فيها منتجات أرخص بكثير، غالباً في دول مثل فيتنام وبنغلاديش والصين، حيث العمالة الرخيصة وظروف العمل السيئة، على الرغم من أسعارها الباهظة، فإن تكلفة إنتاج ما يسمى بـ”المنتجات الفاخرة” منخفضةٌ بشكل صادم.

تُلصِق علامات تجارية مثل ديور وبربري وأرماني ملصقاتها وتطالب بآلاف الدولارات مقابل منتجاتٍ لا تُكلف سوى جزءٍ ضئيلٍ من تكلفة إنتاجها. في الحقيقة لا يعكس السعر جودة المواد أو الحرفية، بل يعكس الملايين التي أُنفقت على التسويق، ورعاية المشاهير، والحفاظ على وهم الحصرية.

غالباً ما تكون ملصقات “صنع في إيطاليا” أو “صنع في فرنسا”، التي يُفترض أن تدل على الفخامة، مضلِّلة، قد تُصنع الحقيبة في إيطاليا، لكن معظم مكوناتها تُجمع وتُستورد في أماكن أخرى، في مصانع تعتمد على العمالة الرخيصة”.

إلى أن قال في آخر مقاله: “تُصنع العديد من هذه السلع الفاخرة في نفس المصانع التي تُصنع فيها المنتجات الأقل جودة، الفرق ليس في الجودة، بل في الانطباع الذي تُقدمه العلامة التجارية بعناية، فالحقيبة التي تكلف 50 دولاراً تُباع بـ5000 دولار لمجرد أنها تحمل شعاراً مميزاً، هوامش الربح فلكية، وتبرر العلامات التجارية ذلك بخلق شعور زائف بالندرة والهيبة”.

أقول: أعجبني عنوان مقاله حيث قال: “تستهدف الفقراء”، ولعله يقصد فقراء القلب، الناس المرضى بالخيلاء.

هنا نتذكر حديث النبي ﷺ: «إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب»، وفقر القلب: عدم الشبع، ومثل هذه الأحوال.

أتذكر قولهم: (إطعام جائع خير من بناء جامع) وهم يسكتون على مَن ينفق آلاف الدولارات على بضائع رديئة لمجرد مرض نفسي عنده، ما أكثر الأمور التي هي تجارة بأمراض قلوب الناس!