«ومن يعدل إن لم أعدل» كلمة وُعظ بها الخوارج ويوعظ بها التغريبيون اليوم…

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

في مقال مكتوب بتاريخ 9 مايو في عام 2024: (Gaza and the Hypocrisy of Western Values) ترجمته: غزة ونفاق القيم الغربية.

جاء فيه ما يلي: “عقد مركز دراسة الإسلام والديمقراطية مؤتمره السنوي في 17 أبريل/نيسان في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة. وشهد مؤتمر هذا العام انتقادات لاذعة لسياسات الولايات المتحدة المنافقة والمعادية للديمقراطية في الشرق الأوسط.

صرح مصطفى أكيول، الزميل البارز في معهد كاتو، بأن دور واشنطن في تدمير إسرائيل لغزة قد دفع كثيرين في العالم الإسلامي إلى رفض فكرة أن “القيم الغربية” تُمثِّل مُثُلاً إنسانية سامية، وأضاف: “لطالما كان هناك بعض النفاق والتحالفات والمصالح الوطنية التي أعاقت هذه القيم المعلنة، ولكن بالنسبة لكثيرين، لم تكن هذه المعايير المزدوجة بهذه الوقاحة”. أما عن سبب رضا الغرب إلى حد كبير عن السماح لإسرائيل بشن هجومها الإبادي على الفلسطينيين، فقد قدَّم أكيول إجابة بسيطة لكنها “واضحة للغاية”: “في الغرب، حياة الإسرائيليين أهم -أكثر بكثير- من حياة الفلسطينيين””.

واستمر المقال على هذا النسق في ذكر تصريحات لأناس عرب كانوا يؤمنون بصنم (القيم الغربية) السامية، وصُدِموا بأنه هُدِم في قلوبهم بعد هذه الأحداث.

الواقع أن القيم الغربية وُلدت مجهضةً، لأنها قيم محلقة، كأنها وُجدت في عالم مثالي، والغرب نقضوها ألف مرة قبل هذه المرة.

وهنا يحضرني هذا الحديث:

قال مسلم في صحيحه: “148- (1064) حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، ح وحدثني حرملة بن يحيى، وأحمد بن عبد الرحمن الفهري، قالا: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك الهمداني، أن أبا سعيد الخدري، قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل، قال رسول الله ﷺ: «ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل»”.

وهذا الحديث صرت أعظ به من يأتيني يكلمني بمعضلة الشر.

فأقول له: كل شيء عليه جواب، لكن العدل إن لم يأتِ من الله فلا عدل البتة.

وكذلك يقال لهؤلاء: كيف تظنون ببشر مثلكم أنهم يمكنهم أن يأتوا بالعدل الكامل والنموذج الأسمى ولا يتناقضون ولا يكونون مخادعين؟

إنما تجرون وراء سراب، فهذا الأمر لو كانوا صادقين فيه لم يمكن تطبيقه.

ولذلك كثير من شبهات القوم حول الشريعة هي تأتي من واقعية الشريعة -إن صح التعبير- ومثاليتهم وحالميتهم، إن صدقوا ولم يكونوا يغلِّفون شهواتهم بدعوى البحث عن عدل في نموذج إنساني أرضي.

عدم وجود عدل كامل في الأرض جعل العقلاء يؤمنون بالبعث مع ضرورة محبة العدل في نفوسهم، وأما المساكين فصاروا يلحقون وراء السراب!