عدنان إبراهيم ينكر المتواترات ويقبل رواية ضعيفة جداً تحاملاً على معاوية بن أبي سفيان (الرد على كذبه وتدليسه)

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قوله إن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- ولَّى قتلة عثمان، هذا من الكذب الذي لا أدري كيف لا يستحي منه.

وأما قوله إن ابن تيمية ذكر الرواية في «منهاج السنة» مقراً، فهو قال: “بل رُوي عنه” وهذا لفظ تمريض.

والرواية لا تصح من الأساس، بل ضعيفة جداً ومع ذلك لو ذكرها عدنان بلفظها لظهر فيها عذر معاوية.

قال ابن تيمية في «منهاج السنة»: “بل روي عنه أنه لما قدم المدينة حاجاً فسمع الصوت في دار عثمان: “يا أمير المؤمنيناه، يا أمير المؤمنيناه”، فقال: ما هذا؟ قالوا: بنت عثمان تندب عثمان. فصرف الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كره، وبذلنا لهم حلما على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛ ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان”.

والرواية ذكرها ابن كثير في «البداية والنهاية» وفي سندها علوان بن داود وهو ضعيف جداً، وعدنان ينكر المتواترات ويقبل مثل هذا.

وهي إن صحت فلها فهم، وهو أن معاوية يقول لها إن الحرب قد قامت وهؤلاء الناس لهم منعة، فإن طالبت بهم قاتل الناس دونهم وعادت الحرب غضة طرية ومات آلاف الناس، وقد نصل إليهم وقد لا نصل كما حصل في أول الأمر.

قال ابن تيمية في «منهاج السنة» معلقاً على الأثر: “وذلك أن الفتن إنما يُعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت. فأما إذا أقبلت فإنها تُزيَّن، ويُظن أن فيها خيرا، فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء، صار ذلك مبيِّنا لهم مضرتها، وواعظا لهم أن يعودوا في مثلها.

كما أنشد بعضهم:-
الحرب أول ما تكون فتية … تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها … ولت عجوزا غير ذات حليل”.

فإن قيل: أليس هو قد أقام الحرب من البداية لأجل قتلة عثمان؟

فيقال: هو امتنع عن البيعة فحسب، وقد قتل بعض كبار المحرضين على عثمان أثناء الحرب كالأشتر ونظرائه، وهذا أذهب شيئاً مما في النفوس.

وكون المرء يرى رأياً ثم يغيره لما يرى من المفاسد فهذا غير مستغرب، فعلي رضي الله عنه ذهب إلى صفين ليقاتل، فلما استعر القتال رضي بالتحكيم لما رأى من شدة الأمر، علماً أنه هو من بدأ بالقتال.

قال ابن أبي شيبة في «المصنف»: “37852- محمد بن الحسن الأسدي، قال: حدثني يحيى بن مهلب، عن سليمان بن مهران، قال: حدثني من سمع عليا يوم صفين وهو عاض على شفته: لو علمت أن الأمر يكون هكذا ما خرجت، اذهب يا أبا موسى فاحكم ولو خرَّ عنقي.

37853- ابن نمير، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي معالج، أن عليا قال لأبي موسى: احكم ولو يخرُّ عنقي”.

ويشهد لهذه الروايات الواقع التاريخي.

وكان من عبقرية ابن تيمية أنه ربط بين موقف علي وموقف معاوية، وأنهما وقع لهما الأمر نفسه، بأن رأيا شيئاً ثم تنازلا للمصلحة العامة.

وترى سفهاء من الطرفين يشنعون على الرجلين بما لا يدركونه، ومن هنا يعلم عظيم فقه السلف في نهيهم عن الخوض في هذا لكل أحد.

ومما يدل على أن معاوية كان يرى المفاسد ويريد درء الأمر، ما روى البخاري في صحيحه: “2704- حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن أبي موسى، قال: سمعت الحسن، يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولِّي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟”.

فهو كاره للحرب ويحدث عمرو بن العاص عن تبعات الحرب الثقيلة، وفي تتمة الحديث ذِكر صلح الحسن.