
قال ابن حزم في «مراتب الإجماع»: “واتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله عز وجل، كعبد العزى وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب”.
يعني عبد المطلب وقع فيه الخلاف، ولم يتعقب ابنُ تيمية ابنَ حزم في هذا الموضوع.
وما خالفه أحد في زمانه وبعده، وأول من ظهر فيهم هذا الاسم (عبد النبي) القرامطة والرافضة، فأقدم من وقفت عليه بهذا الاسم هو عبد النبي بن المهدي اليمني الخارجي الملقب بالمهدي، المتوفى: ٥٦٩ هـ، وهو قرمطي باطني.
وذهب بعض متأخري الشافعية إلى كراهية اسم عبد النبي وعبد الرسول دون التحريم، وقولهم هنا شاذ من جنس قولهم في اللحية، خلاف متأخرين على خلاف إجماع المتقدمين.
فلما أورد عليهم الناس أن يجوِّزوا التعبيد للمسيح فتقول (عبد المسيح) ويكون قصدك خادم المسيح، كما هم يعللون في (عبد النبي)، وهذا لا يجيزه أحد، بل هو مستقبح ولا يفعله إلا النصارى.
خرجوا بقاعدة بيَّنها من وافقهم من الحنفية، فقال محمد أنور شاه الكشميري في «العرف الشذي»: [4/264]: “واعلم أن أحسن الأسماء ما فيه إضافة العبد إلى اسم من أسماء الله تعالى، وأما الاسم بإضافة العبد إلى غير الله الذي يعبد عند غير أهل الإسلام فشرك، وإضافة العبد إلى غير الله الذي لا يعبد إلا أنه يلتبس أحياناً بالمعبود فمكروه مثل عبد النبي وعبد الرسول، ويذكر في كتب اللغة أن للعبد معنيين المخلوق والمملوك، فلا يكون في عبد النبي وعبد الرسول شرك”.
أقول: وهذا تفريق فاسد، فكما أن عبد المسيح شرك فعبد النبي شرك، فتفريقه مبناه على أنك لو عبَّدت لما يُعبد من دون الله عادةً فذلك شرك، ولو عبَّدت لما لا يُعبد من دون الله فذلك ليس شركاً.
وهذا تفريق فاسد الاعتبار، فقد قال النبي ﷺ: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» ويدخل في هذا قول النصارى: (عبد المسيح).
ولعن النبي ﷺ اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يُحذِّر ما صنعوا، وما فرَّق بين نبي ونبي، وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد».
ونهى الرجل الذي قال له: “ما شاء الله وشئت” وقال: «أجعلتني لله نداً».
وروى أحمد في مسنده [13596] عن أنس رضي الله عنه: “أن رجلا قال: يا محمد، يا خيرنا وابن خيرنا، ويا سيدنا وابن سيدنا، فقال: «قولوا بقولكم ولا يستجركم الشيطان -أو الشياطين، إحدى الكلمتين- أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله»”.
وقال ابن خزيمة في «التوحيد»: “أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا؟ أنه غير جائز أن يأمر النبي ﷺ بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه؟ هل سمعتم عالما يجيز أن يقول الداعي: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله؟ أو يجيز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة، أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه”.
واليوم يوجد من يتعوذ ويستغيث بالرسول ﷺ، فالتعبيد على قاعدتهم كذلك ممنوع منه.