قال أحمد في «الزهد»: “419- أخبرنا إسماعيل، أنبأنا يونس، عن الحسن قال: قال نبي الله ﷺ: رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث، قوله {اذكرني عند ربك} ثم يبكي الحسن، ويقول: ونحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس”.
هذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري، وأما الخبر عن رسول الله ﷺ فمرسل.
سورة يوسف لا يكاد يسمعها أحد ويتدبر فيها إلا وتبكيه، والحسن البصري من كبار أعيان التابعين، اجتمع فيه السنة والفقه والتثبت في الحديث والزهد والورع، فخير كثير تفرق في غيره اجتمع فيه.
هنا الحسن البصري يبكي من موضع لا أظن أحداً بكى عنده، على كثرة الباكين المتأثرين من هذه السورة.
معنى الخبر الذي رواه الحسن: أن قول نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام {اذكرني عند ربك} هو الذي أخَّر فرجه، ولو دعا الله عز وجل مباشرةً لكان الأمر أسرع، هذا مع أنه عمل بسبب مباح.
قال الطبري في تفسيره: “وقوله: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه، ولكنه زل بها فأطال من أجلها في السجن حبسه”.
فعلى هذا بكى الحسن، أننا نفزع للناس مباشرة، وقد عاتب الله عز وجل نبياً من أنبيائه على ذلك.
فكيف لو رأى الحسن من بلغ بهم التوجه إلى الناس إلى الشرك؟ فتراهم يستغيثون بالمخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله، فتسمع (يا علي) (يا حسين) (يا بدوي) في مواطن حتى كفار قريش كانوا يسألون الله عز وجل فيها مخلصين له الدين {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} [العنكبوت].
وترى نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بتوسل ولا غيره، إنما استغاثة بالله عز وجل.
وأما من الناحية المسلكية: فالعمل بالأسباب مشروع ولا شك فيه، ولكن كم من مُلمَّة لو توجَّهنا فيها إلى الله لانفرجت، بل تلك المُلمَّة نعمة تقربك من الله، فكيف نترك فائدتها ونفعها لنا في آخرتنا وفي علاقتنا مع الله ونركز في انكشافها؟ وإن مع العسر يسراً.
فالسبب حتى إن عملت به فاستحضر أنه مِن منَّة الله عليك أن قيَّض لك السبب، ولا تهمل الدعاء بحال.