قال القرطبي في «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» ص٢٢٩: “فقوله: في روح المؤمن يذهب بها إلى عليين. هو معنى ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم: إلى السماء التي فيها الله.
والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ولا إشكال.
وذكرته عند بعض من يتسم بالعلم والفقه والقضاء فلم يكن منه إلا أن بادر بلعن من رواه ونقله.
فظن منه التجسيم.
فقلت له: الحديث صحيح والذين رووه هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس وغيرها من أمور الدين، فإن كذبوا هنا كذبوا هنالك، وإن صدقوا هنا صدقوا هنالك.
والتأويل مزيل ما توهمته”.
أقول: هذا الذي يتسم بالعلم والفقه عند القرطبي يبدو أنه أشعري ينكر علو الله عز وجل على خلقه.
فلما وجد حديثاً فيه لفظة (السماء التي فيها الله) غضب من الخبر ولعن رواته، والحديث في مسند أحمد وسنن ابن ماجه و«التوحيد» لابن خزيمة.
فانظر هذا المحروم من يلعن؟
وقال الذهبي في «العلو للعلي العظيم»: “37- حديث ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: إن الميت يحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة. فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله تعالى. وذكر الحديث. رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وقال هو على شرط البخاري ومسلم ورواه أئمة عن ابن أبي ذئب”.
والأئمة لا يروون الكفر، وأخبار العلو لا تدخل في الحصر، وتأويل القرطبي مدفوع، فظاهر الخبر بيِّن، بل لا تناقض بين علو الله وكون الأبرار يُكتب كتابهم في عليين.
والأخبار التي ظاهرها أن الله عز وجل في السماء (يعني في العلو فوق العرش) لا تُحصر، وكان النبي ﷺ يحدث بها الناس، والسلف يحدثون بها الناس ضمن مواعظهم التي إنما يتلقاها العامة الذين لا يعرفون مسالك التأويل، الذي هو في حقيقة تحريف.
فهذا خبر وعظي.
فإذا كان الأمر كذلك عُلِم أن الله عز وجل أراد منا اعتقاد ظواهرها المطابقة لفطر عموم الخلق، وإلا كان مضلِّلاً لنا سبحانه وتعالى عن هذا.