مما أؤكد عليه دائماً أن الإنكار على أهل الضلال المنتسبين للملة ممن تلبسوا بالشرك والتعطيل لا يُضعف الأمة، بل يقويها، كما أن إنكار المعاصي لا يضعفها، بل يقويها.
وأن نسبة أهل البدع إلى الإسلام وأن أقوالهم معتبرة مما يشوه الإسلام، وتأمل ذلك في مناظرات المتكلمين لأهل الكفر من يهود ونصارى، ترى المتكلم يذكر عقائد أجنبية عن الكتاب والسنة والفطرة ويزعم أنها الإسلام، كقوله: الله لا داخل العالم ولا خارجه، وأن الفعل هو المفعول، ونفي التحسين والتقبيح العقليين، وغيرها، فيفرح بذلك الكافر أنه لم ينفرد بالسفسطة ويشوش على أهل الإسلام.
محمد أحمد الراشد وهذا اسمه الحركي، واسمه الحقيقي عبد المنعم العزاوي، أحد كبار المنظرين الحركيين (وهذا المصطلح لست أنا من سبكه، بل هو تكلم به مراراً وصنف كتبه على أنها في فقه الدعوة أو فقه الحركة) وواضح من مؤلفاته احتفاؤه بكتابات الإخوان المسلمين.
له كتاب اسمه «المنطلق» وهو من أقدم الكتب فيما يسمونه فقه الحركة، إذ صنفه في نهاية السبعينات من القرن الماضي بالتقويم النصراني.
يقول في كتابه المذكور في صـ261: “وضعف الضعيف يكون من بدعة كما يكون من ذنب، وهذا ما تعارف عليه العلماء منذ القدم، حتى إنهم كانوا ليهجرون الأخ الشقيق إذا اعتقد ببدعة مثل علي بن حرب الموصلي هجر أخاه أحمد بسبب قوله لفظه بالقرآن مخلوق مع ثقته وصدقه”.
ثم قرر أن القول باللفظ صحيح! وهذا غلط بيِّن منه، ويبدو أنه لم يفهم المسألة.
ثم قال: “ولكن أدعياء وحدة الأمة في هذا العصر يدعون إلى التجاوز عن معاني البدع، وسرى هذا الوهم إلى بعض الدعاة، وأسقطوا أمر البدعة كعامل من عوامل التمييز، فوقعوا في الخطأ
إنه خلق جميل أن تعطف على المبتدع وأن تنصره على كافر، وترفع الظلم عنه، وتقف معه في وجه من هو أكثر بدعة منه ولكنه أمر خطر أن تفتح له صفوف الدعوة قبل توبته، وأن تؤمره قبل سلامته، وأن تحبه قبل غسله الأدران التي علقت بعقيدته، فإنه ما أوهى الأمة إلا البدع كما قال الفضيل بن عياض: (من اعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)
وقال: (من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه)
إن الدعوة للأخذ بيد المذنب والعاصي في تصرفاته السلوكية إذا كان أصل الإيمان [في] نفسه أهون بكثير من التعاون مع المبتدعة حال تمسكهم ببدعهم والمذنب أقل ضرراً من المبتدع بوجوه منها
أن المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع فضرره على النوع. وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة.
والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدّهم عنه، والمذنب ليس كذلك. والمبتدع قادح في أوصاف الربّ وكماله، والمذنب ليس كذلك. والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول، والعاصي ليس كذلك. والمبتدع يقطع على الناس طريقَ الآخرة، والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه”.
ثم عزا في الحاشية إلى «الجواب الكافي» لابن القيم، فمنه أخذ المقارنة بين المبتدع والمذنب.
ثم قال في صـ263: “إن حذر العمل الجماعي الإسلامي من المبتدعة أصبح قاعدة تؤكد نفسها يوماً بعد يوم
وإنها لقاعدة قديمة عمل بها الفضيل بن عياض وأوجزها في كلمات رائعة”.
ثم ذكر أثر الفضيل المشهور في أنه يأكل مع يهودي أو نصراني ولا يأكل مع مبتدع، لئلا يغتر الناس به.
هذا كله في المبتدع، فما بالك بداعية الشرك والتعطيل؟ كلام العزاوي هذا قاله قبل أن نرى مغبة دعوات التقريب مع الرافضة وما جرَّت على المسلمين من ويلات في دينهم ودنياهم، وقبل أن نرى ما يفعل أهل التصوف والتعطيل في مختلف البلدان من تحري التضييق على أهل السنة، وما يخفى ما كان في مؤتمر الشيشان وما تبعه.
وقد كان بعض فقهاء الحركة كالدكتور القرضاوي يدعو في كتابه «أولويات الحركة الإسلامية» إلى إحالة التراب على الخلافات التاريخية، ويمثِّل بقضية القول بخلق القرآن وقضايا الصفات، ثم بعد زمن يعيِّن الإباضي أحمد الخليلي نائباً له في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان زميلاً له من قبل، والخليلي قد صنف كتاباً في الدعوة إلى القول بخلق القرآن اسمه «الحق الدامغ»! ومع ذلك هو موسوم بالاعتدال عندهم، فكأن السلفي وحده من لا يحق له الدعوة لعقيدته بحماس.
ووجدنا القرضاوي بعد مدة يقدم كتاباً لرجل أشعري يقرر فيه التفويض، فما أهال هو نفسه التراب على الخلافات التاريخية، والتي ليست تاريخية فحسب، بل هي حاضرة اليوم بقوة.