هذا أنموذج على الإسفاف الشيعي والاستهانة بعقول الخلق.

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا أنموذج على الإسفاف الشيعي والاستهانة بعقول الخلق.

ياسر الحبيب يتكلم عن يزيد بن عبد الملك بن مروان، ويزعم أنه ترضى عن أبي لهب، وذلك في رواية لمؤرخ حنبلي.

وهي ما جاء في «شذرات الذهب» لابن العماد: “وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني ابن سلام قال: ذكر يزيد قول الشاعر:

صفحنا عن بني ذهل … وقلنا القوم إخوان

عسى الأيام أن يرجع … ن قوما كالذي كانوا

فلما صرح الشر … فأضحى وهو عريان

مشينا مشية الليث … غدا والليث غضبان

بضرب فيه توهين … وتخضيع وإقران

وطعن كفم الزق … وهي والزق ملآن

وفي الشر نجاة حي … ن لا ينجيك إحسان

وهو شعر قديم يقال: إنه للفند الزماني في حرب البسوس فقال لحبابة: غنيني به بحياتي، فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا شعر لا أعرف أحدا يغني به إلا الأحول المكي، فقال: نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك، قالت: إنما أخذه عن فلان ابن أبي لهب، وكان حسن الأداء، فوجه يزيد إلى صاحب مكة: إذا أتاك كتابي هذا، فادفع إلي فلان ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد، ففعل، فلما قدم عليه، قال: غنني بشعر الفند الزماني، فغناه، فأجاد، وأحسن، وأطرب، فقال:

أعده، فأعاده، فأجاد، وأطرب يزيد، فقال له: عمن أخذت هذا الغناء؟ قال: أخذته عن أبي، وأخذه أبي عن أبيه، قال: لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب -رضي الله عنه!- ورثكم خيرا كثيرا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قد أعلم ما تقول، ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء، ووصله، وكساه، ورده إلى بلده مكرما.

وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى”.

أقول: ما أخفاه ياسر الحبيب أن ابن العماد توفي في القرن الحادي عشر الهجري وأنه ينقل عن تواريخ قديمة.

وهذه الرواية نقلها من كتاب «مروج الذهب» للمسعودي، وهو شيعي معتزلي، فالرواية شيعية من الأساس!

وياسر نفسه له مقطع يتكلم عن «مروج الذهب» وأن ليس كل ما فيه صحيحاً.

وإذا تجازونا المسعودي، الخبر يرويه إسحاق الموصلي وهو مغني معروف وأصوله فارسية، وكان نديماً للعباسيين أعداء بني أمية، فكيف يصدِّقه من يكذِّب الصحابة وهو معدود في خصوم الأمويين؟!

وما وثقه معتبر، وما يذكر من مدح الحربي وابن الأعرابي له يرويه الصولي، وقد اتهمه بعضهم، وعن الصولي يرويه المرزباني، وهو معتزلي يشرب النبيذ وتكلم فيه بعضهم.

وإذا تجاوزنا هذا كله، ابن سلام الذي يروي القصة إن كان الجمحي فلم يدركها، إذ ولادته بعد ذهاب دولة الأمويين والترضي على أبي لهب ما وجدته في «مروج الذهب» أصلاً! فلعله زيادة نساخ في الشذرات.

الروافض لا يتورعون عن الكذب والتدليس كما هو معلوم، ولكنهم إن كذبوا على من دون الصحابة ربما مضى كذبهم على الناس، فلعلنا بعد زمن نجد هذا الأمر مثبتاً على يزيد خصوصاً مع توسع كثيرين في التحامل على الأمويين، حتى غلا آخرون فيهم.

وحتى الخبر أن يزيد حلف له جماعة من الشيوخ أنه لا حساب على الخليفة، فهذه رواية منكرة وليس لها إسناد قائم.