هؤلاء الناس عندهم مزاجية عجيبة يصححون ما يشاءون بحسب ما يرونه خادماً لقضيتهم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هؤلاء الناس عندهم مزاجية عجيبة، يصححون ما يشاءون بحسب ما يرونه خادماً لقضيتهم.

رضي الله عن علي بن أبي العاص وعن أبيه، غير أن معلومة أنه مات شهيداً في اليرموك يوجد ما يناقضها.

“وقال الزبير: حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي، قال: توفي علي بن أبي العاص وقد ناهز الحلم، وكان النبي ﷺ أردفه على راحلته يوم الفتح.قال ابن مندة، توفي وهو غلام في حياة النبي ﷺ، وقال ابن عساكر: ذكر بعض أهل العلم بالنسب أنه قتل يوم اليرموك”.

فالوحيد الذي ذكر أنه مات في اليرموك ابن عساكر، نسبه لبعض النسابين بدون أي إسناد، وابن عساكر متأخر جداً، توفي عام 571.

بينما المصادر المتقدمة، ككلام الزبير بن بكار المتوفى 256، وابن مندة المتوفى 395، فقد ذكروا أنه مات صبياً، ووافق أبو نعيم ابن مندة على ذلك مع كثرة تعقبه له.

فمعلومة أنه قتل يوم اليرموك معلومة منكرة لا إسناد لها، ولا يعرف المتكلم بها.

ورأيت بعضهم يقول: لماذا لم يكن من أهل الكساء مع أنه وقتها كان مسترضعاً في بني غاضرة؟

وبعضهم كصابر مشهور يقول إنه أفضل من علي والحسن والحسين! ولا أدري ما وجه التفضيل فأنتم تُجلُّونه لأنه قاتل في اليرموك، وعلي شهد المشاهد كلها وهو من أهل بدر!

قال تعالى: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [الأنفال ٦٨].

وقال الطبري في تفسيره [11/276]: “لولا ‌قضاء ‌من ‌الله ‌سبق ‌لكم، ‌أهل ‌بدر، ‌في ‌اللوح ‌المحفوظ بأن ‌الله ‌‌مُحِلٌّ لكم ‌الغنيمة، ‌وأن ‌الله ‌قضى ‌فيما ‌قضى ‌أنه ‌لا ‌‌‌يُضِلُّ ‌قوما ‌بعد ‌إذ ‌هداهم ‌حتى ‌يُبيِّن ‌لهم ‌ما ‌يتقون، وأنه لا يعذب أحدا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله ﷺ ناصرا دين الله لنالكم من الله، بأخذكم الغنيمة والفداء، عذاب عظيم”.

وبهذا التفسير صحت الأخبار عن الصحابة والتابعين.

هؤلاء القوم عندهم مزاجية، تراهم يحشدون كل ما يريدون أن يصححوا به فكرتهم وأن العباسيين أعلوا من شأن علي بن أبي طالب وأولاده، وكل دارس للتاريخ يعلم أن العباسيين كانوا يعانون من الشيعة وممن يخرجون باسم أنهم من ذرية فاطمة، حتى إن المعتضد حين أراد لعن معاوية على المنابر أحجم، لئلا يفرح بذلك الطالبيون ممن خرجوا عليه في الأمصار، وقصة النفس الزكية مع أبي جعفر المنصور معروفة وكيف أنه كان يفخر عليه بعلي وفاطمة.

فالرأي السياسي يقتضي أن يكون هناك فضل لأهل البيت، يدخل فيه العباس، ولا يوجد فضل خاص لعلي وفاطمة والحسن والحسين.

وقد تشيع جماعة من العباسيين، وفيهم من تسنن وفيهم من تأرجح، وحقاً فشت البدع في زمانهم لأسباب عدة، غير أن الذي يصوره هؤلاء من تأثر كبار أهل الحديث بالأمر محض مبالغة تافهة تنقضها شواهد كثيرة.

وقد رأيت أحدهم يقرر أن الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين نادرة جداً، ثم هو نفسه يصحح خبراً في مسند البزار انفرد به مصري صدوق يهم عن أهل المدينة ومتنه منكر (زينب خير بناتي)، فهم عندهم مزاجية ظاهرة في البحث.