من أين جاء الإمام أحمد بقوله: بر الوالدين كفارة للكبائر؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

“قال المروذي: قال أحمد: بر الوالدين كفارة للكبائر”.

«الآداب الشرعية» [١/٤٦٣]، «معونة أولي النهى» [٤/٣٤٤] (نقلاً عن الجامع لعلوم الإمام أحمد).

وذكره غلام الخلال في «زاد المسافر» [٤/٥٥٥].

ونقله ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»، وابن مفلح في «الفروع»، وتتابعت الكتب الحنبلية المتأخرة على نقل هذا.

قال الحارث كما في «بغية الباحث»: “898- حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا الوليد، عن منير بن الزبير، أنه سمع مكحولا يقول: بر الوالدين كفارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادما على البر ما دام في فصيلته من هو أكبر منه”.

ومنير ضعيف.

وكثير من الناس لا يدري ما حجة مكحول وأحمد هنا.

وحجته والله أعلم ما روى البخاري في «الأدب المفرد»: “4- حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، أنه أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا، قال: تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت. فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة”.

فهذا الرجل ارتكب كبيرة، فدله ابن عباس على البر ليكفِّر ذنبه، فهذه حجة أحمد والله أعلم.

وبر الوالدين اليوم كثيراً ما يختلط مع عقوقهم، فطاعتهم في معصية الله وفي ترك الواجبات، كطاعتهم في ترك الحجاب وطلب العلم الشرعي، هو عقوق باسم البر.

فينبغي أن يُفهم أن البر بالمعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأن الوالد المحب هو من يُيسِّر على أولاده أسباب بره، ولا يتعنت معهم ويثقل حتى يقع العقوق من بعضهم، فإنك لا تهبهم شيئاً مثل هبتك لهم سبباً من أسباب دخول الجنة.

وأيضاً الأولاد كثير منهم لا يدرك ما هو فيه من النعمة، إذ أدرك والديه وأمكنه برهم، وما أكثر ما يفعل البر دون احتساب، بل بتململ، وهذا قد يُذهب عليه الأجر، والله المستعان.