منهجية نقد الروايات وأوهام الولاية عند المتصوفة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هنا لا أود الحديث عن عدم صحة هذه الرواية فحسب، بل أريد بيان منهجية عامة.

مفهوم الولي عند هؤلاء الناس ومفهوم أهل البيت -الذي يزعمون أن كثيراً من مشايخ الطرق ينتمون إليهم- يميلون فيه إلى المبالغة والحديث عن إنسان خارق، لأن البحث ليس في الاقتداء، وإنما في صنع إنسان مقدس، وهذه القداسة تلحق بغيره ممن اتصل به بالدم أو السند المزعوم.

ولهذا تجدهم يستغربون؛ لماذا لا يوجد في السلفيين أولياء؟

ولو نظروا في تراجم السلف الكرام الثابتة لما وجدوا وليا على طراز ما في طبقات الشعراني البتة.

ولينظروا في «حلية الأولياء» لأبي نعيم الصوفي إن شاؤوا.

قد قال رب العالمين في موسى عليه الصلاة والسلام -وهو النبي الجبل الشجاع: {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} [القصص: ٢١].

وقال الله عز وجل مخاطباً المهاجرين والأنصار: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة: ١٥٥].

ومن ها هنا تأتي صلابة الشجاع أنه يداخله الخوف فيغالبه فيغلبه، كما الكريم والحليم يداخلهم البخل والجبن ولكن يغلبونه.

الخبر المذكور موجود في كتاب «الإمامة والسياسة» المنسوب لابن قتيبة.

ومن حسنات البحث العلمي الذي قام عليه أقوام ممن يسميهم هذا مجسمة ووهابية أنه أبان بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة بأدلة علمية متينة.

وقال مشهور حسن سلمان في كتابه «كتب حذر منها العلماء» [2/298-301]: “الإمامة والسياسة: كتاب مكذوب على ابن قتيبة رحمه الله تعالى، وعلى الرغم من ذلك؛ فهو مصدر هام عند كثير من المؤرخين المعاصرين، ويجب التعامل مع هذا الكتاب بحذر شديد؛ إذ حوى مغالطات كثيرة، ولذا؛ شكك ابن العربي من نسبة جميع ما فيه لابن قتيبة.
والأدلة على عدم صحة نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة كثيرة. منها:

  1. أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا هذا الكتاب بين ما ذكروه له، اللهم إلا القاضي أبا عبدالله التوزي المعروف بابن الشباط، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه (صلة السمط).
  2. أن الكتاب يذكر أن مؤلفه كان بدمشق. وابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور.
  3. أن الكتاب يروى عن أبي ليلى، وأبو ليلى كان قاضياً بالكوفة سنة (148هـ) أي قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة.
  4. أن المؤلف نقل خبر فتح الأندلس عن امرأة شهدته، وفتح الأندلس كان قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.
  5. أن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش، مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة (455هـ) وابن قتيبة توفي سنة (276هـ).
  6. أن هذا الكتاب مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير ؛ ففيه أبو العباس والسفاح شخصيتان مختلفتان، وهارون الرشيد هو الخلف المباشر للمهدي، وأن الرشيد أسند ولاية العهد للمأمون، وهذه الأخطاء يتجنبها صغار المؤرخين، فضلاً عمن هو مثل ابن قتيبة”.

وتكلم بكلام كثير وذكر أسماء الذين أبطلوا نسبة الكتاب.

وتأمل قوله: “عليه السلام” محاكاة للشيعة، والكاتب ككثير من صوفية العصر يُقوُّون أنفسهم عند أتباعهم بالانتساب لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو مستغن عن كذبهم وكذب الشيعة.

وكثير منهم دخل عليه ضرب من التشيع بهذا الداعي، لذا تراهم منحرفين عن معاوية بن أبي سفيان، كعبد الله الغماري أستاذ علي جمعة الذي ألبسه الخرقة، وبهذا يكونون قد خالفهم عامة متقدمي الأشاعرة الذين يتكثرون بهم.