ماذا أقول لمن زوجني؟ (باب ما جاء في مراعاة الرجل العابد لأهله)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون، أبو بكر الفقيه النيسابوري، محدث فقيه مشهور من طبقة تلاميذ الستة وشيوخ الدارقطني وابن شاهين.

قال الخطيب البغدادي في تاريخه [10/ 120]: أنبأنا أبو سعد الماليني، أخبرنا يوسف بن عمر بن مسرور قال: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: تعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت كل يوم بخمس حبات، ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش (أقول) لمن زوجني! ثم قال في إثر هذا ما أريد إلا الخير”.

أبو بكر النيسابوري يذكر عبادته الشديدة أربعين عاماً، ثم يقول إن ذلك قبل زواجه، ثم يعتذر بقوله: “أيش أقول لمن زوجني”.

يعني: ماذا أقول لمن زوجني إن أهملت زوجتي وسهرت الليل في القيام وتركت التقوي وحسن المطعم ولم أقم بحقوق الزوجية؟

أبو بكر هذا فقيه ويعلم أن قيامه بحقوق زوجته وعياله مع النية آجر له، لأن هذه واجبات والواجب آجر من المستحب.

وحسن للمرء أن يجمع بين الأمرين باقتصاد، كما كان حال النبي ﷺ، غير أنه أظهر الأمر على أنه حياء ممن زوجه، والحياء من الإيمان ويحمل للخير.

كأنه يتكلم عمن زوجوه ابنتهم، فراعى حقها حياءً منهم، وهذا بعض معنى حديث: «الحياء من الإيمان» إذ يحمل المرء على الطيب من القول والعمل.

ثم قال: “ما أردت إلا الخير” ينبه أنه ما أراد المفاخرة بذكر هذا، وإنما أراد تشجيع الشباب على الخير واغتنام الفراغ قبل الشغل، وهذا ما يسميه بعض من كتب في السلوك (رياء العلماء) أنهم يذكرون ما عندهم من خير لتشجيع الناس، لا مراءاة لهم وطلباً للثناء.