لماذا أباح محمد رشيد رضا ربا الفضل؟ (الإجابة على الشبهة شيء والخضوع لمزاج المخالف شيء آخر)

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

حين قرأت كتاب «آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية» لمشاري المطرفي وجدته ذكر أن من شذوذات محمد رشيد رضا قوله بجواز ربا الفضل، لأنه كما يقول مُنع سداً للربا الجاهلي فيباح للضرورة!

وقد رد عليه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.

ولم أفهم البعد النفسي وراء هذا القول الغريب، حتى قرأت كتاب «خاتم النبيين» لمحمد أبو زهرة.

فوجدته قد قال في [3/819]: “ولقد ادعى بعض الكتاب من الأوربيين أن حديث الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد، والفضة والبر والشعير، وغيرها من المطعومات قد وضعه اليهود على النبي ﷺ ليبعدوا العرب عن الاتجار، وتبقى التجارة في أيديهم.
وذلك كلام لا تبرره الحقائق، للوجوه الآتية:
أولها: أن حديث بيوع الربا روته كل الصحاح، حتى كاد يخرج عن حد الأحاديث إلى ما يقرب من المتواتر، ومن المؤكد أنه مستفيض مشهور تلقته الأمة كلها بالقبول، والأحاديث المكذوبة لا يمكن أن يكون لها ذلك الوصف من الاستفاضة والشهرة.
ثانيها: أن هذا الحديث ثبت أنه طبق في خيبر، وروى البخاري وغيره تطبيقه في خيبر، وذلك في الوقت الذي دكت فيه حصون اليهود دكا ولم يكن لهم قوة، ولم يكن لهم أمل إلا أن يكونوا زارعين يحرثون ويغرسون، ويصلحون النخيل، وسائر الأشجار، ولم يكن لهم قوة يستطيعون بها الاتجار، بل كانوا نتيجة الحرب أذلاء مستضعفين، وقد كانوا يريدون غير ذلك، فحيل بينهم وبين ما يشتهون”.

فيبدو أن محمد رشيد رضا قد تأثر بهذا الكاتب الأوروبي، وظن أنه يدافع عن الدين بإنكاره لربا الفضل أو إباحته عند ما يظنه ضرورة.

ورشيد رضا ليس وحيداً فريداً في هذه الظاهرة (ظاهرة الدفاع عن الدين بهدمه).

وما أحسن ما ذكره ابن تيمية من مَثل هؤلاء في كتابه «الجواب الصحيح»: “وهم كما مثَّلهم الغزالي وغيره بمن يضرب شجرة ضربا يزلزلها به، وهو يزعم أنه يريد أن يثبتها”.

فما أكثر ما يأتي أناس يزعمون أنهم يردون على الشبهات، والواقع أنهم يحتكمون لمزاج وأصول طارح هذه الشبهات.

فكثير من الشبهات على الفروع ينطلق أصحابها من اعتقاد عدم تعلق مصالح البشر بآخرة فيها جنة ونار وأنها فوق كل مصلحة دنيوية حاضرة، وينطلقون من اعتقاد أن الله عز وجل لا حقوق له على عباده.

ثم يبدأون بإيراد الشبهات التفصيلية المبنية على إنكار الأصلين السابقين، فيأتي الراد زاعماً أنه ينقض عليه، وهو غافل عن إرجاع الأمر إلى هذين الأصلين، فكثير منهم يضيق به الجواب، فينكر بعض الشرع أو يرجح بين المذاهب بحسب ما يظنه رداً على الشبهة، فتكون الشبهة نازلة على بعض المذاهب دون بعض، كما رجح بعضهم وجوب المكاتبة (وهو مذهب الظاهرية فحسب) وظن أنه بذلك دفع شبهة الرق.

وقد سمعت قبل مدة طويلة بعضهم يتفذلك ويقول إن الدعاة للإسلام في الصين واليابان وكوريا ينبغي أن يختاروا قول المالكية بحل أكل الكلب، لأن أهل تلك الديار يحبون أكل الكلاب!

ومع كون المالكية براء من هذا القول، وهناك وجود عظيم لأهل الإسلام هناك ولا يأكلون الخنزير ولا الكلاب، فأهل تلك الديار يكثرون من شرب الخمر، فهل نكتم القرآن لأجلهم؟

وهل تظن أن كفار قريش -بل وبقية بلدان الكفر التي دخلت في الإسلام في زمن الصحابة- لم يألفوا كثيراً من الأمور المخالفة للشرع، كتناول الخبائث وفعل الفواحش؟

نعم، كثير ممن يسلم من غير المسلمين أو من يفكر بالإسلام يظن أنه إن لم يلتزم بكل شيء في الإسلام فهو ليس مسلماً، ورأيت كثيراً منهم يصده ذلك عن الإسلام، فهؤلاء ينبهون على اعتقاد أهل السنة في الأمر ويرفق بهم فيؤخذوا واحدة واحدة، فهذا السلوك الوسط بين الإفراط والتفريط.