هناك أثران واحد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في استحباب قضاء صيام رمضان في عشر ذي الحجة، والآخر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في كراهية ذلك.
وقد فسر العلماء الأثرين على تعظيم العشر.
فأثر عمر -رضي الله عنه- حملوه على أنه يريد أن يقضي المرء ما عليه من رمضان، حتى يتفرغ للنوافل في العشر.
وأثر علي -رضي الله عنه- حملوه على أنه أراد للمرء أن يخلِّي العشر للنوافل، وأما قضاء رمضان فيتركه لما بعد العشر، فهذا بمنزلة صلاة الراتبة قبل الفريضة، تصلى الراتبة ثم الفريضة.
جاء في «شرح العمدة» لابن تيمية: “وقد روى سعيد عن الحارث عن علي: «من كان عليه صوم من رمضان فليقضه متصلاً، ولا يفرِّقه، ولا يصوم في ذي الحجة، فإنه شهر نُسُك».
وعن الحسن عن علي، قال: «كُره قضاء رمضان في العشر».
ولأن صوم هذه الأيام بمنزلة السنن والرواتب، فكره تفويتها بالفرض الذي لا يُخاف فوتُه، كما لو صلى الفجر والظهر قبل سننهما.
والثانية: لا يكره.
قال حرب: قيل لأحمد: يُقضى رمضان في العشر؟ فقال: «يُروى عن علي كراهته». وكان أحمد يسهِّل فيه. وتسهيله فيه يقتضي جوازه لا المنع من غيره، فإنه لو منع من غيره، لأوجب تقديمه، لما روى عثمان بن عبد الله بن موهب قال: «سأل أبا هريرة رجل، فقال: إني كنت أصوم هذه الأيام أيام العشر (يعني: ذي الحجة)، وإني مرضت في رمضان، وعليَّ أيام من رمضان، أفأصوم هذه الأيام؟ قال: ابدأ بحق الله عليك» رواه سعيد.
وتقدم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر، والأوجه: أن يجوز صومهما تطوعاً وقضاءً، والتطوع أفضل، كالسنن الراتبة في أول وقت الصلاة”.
فالأثران وإن اختلفت دلالتهما الفقهية، إلا أنهما يثبِّتان فضيلة العمل الصالح في عشر ذي الحجة، إذ لا خصوصية للصيام، واستحباب تفريغ الذمة من الفريضة، دليل على فضل ما بعدها، واستحباب تفريغ النفس للنافلة فيها، دليل على فضلها.
قال قوام السنة في «الترغيب والترهيب»: “1880- أخبرنا أبو الحسين الذكواني، أنبأ أبو الحسن بن ميلة، ثنا عبد الله بن محمد بن عيسى، ثنا أحمد بن مهدي، ثنا علي بن الجعد، أنبأ هشيم، عن خالد الحذاء، ثنا أبو عثمان -يعني النهدي- قال: «كانوا يفضِّلون ثلاث عشرات، العشرَ الأُول من ذي الحجة، والعشرَ الأواخر من شهر رمضان، والعشرَ الأُول من المحرم»”.
وقال المروزي في «قيام الليل» كما في مختصره: “وقال هشيم: أخبرنا خالد، عن أبي عثمان: كانوا يعظِّمون ثلاث عشرات؛ العشر الأُول من المحرم، والعشر الأُول من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان”.
وهذا صحيح إن كان الواسطة بين المروزي وهشيم ثقة، والغالب ذلك.
وأبو عثمان هنا هو النهدي، عبد الرحمن بن مل، وقد أدرك عمر وعلياً وروى عنهما.
والفضل ليس مقتصراً على الصيام، بل الفضل للعمل الصالح فيهن، كما ورد في السنة: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله ﷺ: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
فهذا يشمل الصلاة والصيام والصدقة والذكر والأمر والنهي وتعليم العلم والعمرة والاستغفار للنفس وللمؤمنين والمؤمنات وتفريج الكرب عن المكروبين والإحسان للجار وصلة الرحم، وغيرها من الأعمال الصالحة.
وهذه العشر من فضل الله المأمور بالفرح به، قال تعالى: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ [يونس: ٥٨].
ومن حكمة الله أن جاء في آخرها عيد، كما في آخر العشر من رمضان عيد، وكلها أزمنة فاضلة، ينزل فيها على الأمة من الأجر والمغفرة ما لا ينزل في غيرها، فتكون فرحة العيد فرحةً بالفضل الجزيل من العزيز الجليل.