عندما بيَّن لنا البخاري كم مرة أنعم الله على المتصدق

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لو سألتك: كم مرة أنعم الله عز وجل على المتصدق؟

فغالباً سيكون الجواب: مرتين.

مرة حين أنعم عليه بالمال الذي يتصدق به، ومرة حين وفَّقه للصدقة وقبلها منه.

وكان هذا جوابي قبل أن أنظر نظرةً فاحصة في كتاب الزكاة من كتاب البخاري.

فبعدها صار الجواب هكذا: أنعم الله عليه عدة مرات.

الأولى: حين رزقه المال.

الثانية: حين جعل المفروضة منها ربع العشر، وذلك قدر يسير مقدور عليه.

وأشار إلى هذا البخاري بقوله: “باب: ما أُدِّيَ زكاته فليس بكنز”.

الثالثة: حين وفَّقه لإيجاد فقير يتصدق عليه.

وهذا أشار إليه البخاري بقوله: “باب الصدقة قبل الرد” وأورد أحاديث في هذا.

الرابعة: حين قبل منه قليل الصدقة، ولم يجعل المقبول منها مشروطاً بالكثرة.

وأشار البخاري لهذا بقوله: “باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة” وأورد أحاديث في هذا.

الخامسة: أن أباحها له سراً وعلانية، وفي كل وقت، ولم يجعل لها وقتاً محدداً تخفيفاً.

وقد بوب البخاري بقوله: “باب صدقة العلانية” وأورد قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية} [البقرة].

السادسة: أن قبل نافلتها منه ولو تصدق بها على من لا يستحق وهو لا يعلم.

وقد بوب البخاري على هذا بقوله: “باب إذا تصدَّق على غني وهو لا يعلم” وأورد في ذلك حديثاً.

السابعة: أنه لم يوجب عليه صدقةً ولا استحب إلا ما كان زائداً عن قوت عياله، ونفقته على عياله إن احتسبها أجرها عظيم، فالواجب آجر من المستحب.

وهذا بوب عليه البخاري بقوله: “باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى” وأورد فيه أحاديث.

الثامنة: أن جعلها سبحانه كفارةً للذنوب، وفي الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن».

وبوب البخاري بقوله: “باب: الصدقة تكفر الخطيئة” وأورد خبر حذيفة: «فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة» الحديث.

ولو شاء لجعل لها أجراً دون أن يجعلها كفارة.

التاسعة: أنه سبحانه جعل في المال الخلف منه في الدنيا قبل الآخرة.

وهذا بوب عليه البخاري بقوله: “باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى} [الليل] «اللهم أعطِ منفقَ مال خلفاً»”.

العاشرة: أن جعل أجرها مضاعفاً أضعافاً كثيرة، وفي هذا الحديث المعروف: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل».

ومن تشبع بمشاهدة هذه المعاني لم يمن بما أعطى، لأن ما أخذ أكثر مما أعطى.

وقد عقد البخاري باباً في التحذير من المن بالعطية.