
وُضع في مصر قانون لتنظيم الفتوى، وضعه الأزهر.
ويقصدون به أنهم لا يسمحون بالفتوى إلا لمن صرِّح له في هيئتهم، ولو كان يفتي من أربعين سنة أو أكثر.
رأى السلفيون أن الفتوى المقصود بها مشايخهم الذين تنهال عليهم الاتصالات كلما جلسوا للفتوى، حتى إن بعضهم يوجد في فهرسته ١٠ آلاف فتوى.
وصاروا يقولون إن من الأزهريين المصرح لهم -بل كبار المشايخ في الأزهر- من لا يلتزم بالمذاهب الأربعة في مسائل الطلاق (ويأخذ كلام ابن تيمية)!
ويجوِّز تهنئة الكفار بأعيادهم.
ومنهم من يكره ختان الإناث مطلقاً، ويقول إن النقاب عادة ومباح، لا هو مستحب ولا واجب.
ويجوِّز مصافحة النساء، ويجوِّز المعازف، وينكر الرجم وحد الردة.
ومنهم من يمارس التلفيق صراحة، مثل سعد الدين الهلالي.
فالتنظيم لو كان المراد به الالتزام بالمذاهب، فهم أول من يمنع.
في الحقيقة أنا لم أستغرب من الأمر، وأهديه للرومانسيين الذين ظنوا أن بتزكيتهم لمؤسسة تخالفهم عقدياً في مناهجها أنهم سيرضون عنهم.
أهل البدع لهم نصيب من قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: ١٢٠].
فهم وإن لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، إلا أنهم يشركونهم بهذا المعنى، كما فهمه بعض المفسرين، فكل مبتدع لم يهتدِ للصراط المستقيم ففيه شعبة من المغضوب عليهم والضالين.
ولبيان الأمر أكثر: احتكار العلم، ذلك الهاجس المسيطر عليهم ليس بابه التبشير العقدي فحسب، بل بابه أيضاً إعلاء قيمة المؤسسة التي يحصَّل منها المال والجاه.
فالتعليم المجاني والبذل المستمر قد يزهِّد الناس في دخولها أو يجعل أبناءها بلا ولاء مطلق للمؤسسة.
وهنا هم سيستخدمون كل وسيلة ممكنة، بدءاً من التوريط الأمني ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، كما حصل في العراق، ثم بتر المقاطع وممارسة أساليب إعلامية للشيطنة.
فإن لم يفلح ذلك كله رفعوا لك ورقة التمذهب.
فإن لم يفلح ادعوا أنك جامد ومتشدد (ولاحظ التباين بين التهمتين، ولكنهم يجمعون بين الجمود على المذهب وافق الدليل أو خالفه، والمرونة أمام الحداثة، وإن خالفت المذهب في كثير منهم)!
وربما لعبوا على وتر الوطنية وصوروا للناس أنك فكر وافد، وهم فكر وسطي لا يكفِّر أحداً مهما فعل، كما فعل في المغرب.
فإن لم يفلح كل ذلك جاءوك بورقة تنظيم الفتوى، حتى لا تفتي الناس في بلد يصدِّر فيها دعاة الإلحاد والعلمنة فيديوهات وهم مرتاحون وعندهم مؤسساتهم الرسمية.
يضارع ذلك إرهاب الباحثين الذين يُشك بولائهم للمؤسسة، والذين يظهر في أبحاثهم أنهم يعزون لمشايخ سلفيين في رسائلهم العلمية.
ولن يقف الأمر عند هذا، فحتى المساجد لو استطاعوا لأخرجوا القوم منها، ثم تجد المرء منهم يجالس العلمانيين والليبراليين ويردد كلامهم.