عن المقامات وبدعيتها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

مما علمته مؤخراً أن أصحاب القراءة بالمقامات يختارون أن تقرأ آيات النار بمقام الصبا الحزين وتقرأ آيات الجنة بمقام الرست، وهذا الأمر من البدع والمحدثات.

وخلاف ما نص عليه أهل العلم، فإن مع كراهية القراءة بالألحان اختار الفقهاء القراءة بحزن وعزوها للصحابة.

جاء في «التهذيب في فقه الشافعي» للبغوي [8/ 268]: “أما القرآن بالألحان: قال في موضع: أكرهه، وقال في موضع: لا أكرهه؛ وهي على حالين؛ حيث قال: أكرهه، أراد به: إذا جاوز الحد في التطويل والمد، وحيث قال: لا أكرهه، أراد به: إذا لم يجاوز الحد.
قال: وأحب ما يقرأ إلي حدراً، أو تحزيناً”.

تأمل قوله “أو تحزيناً” وهذا الذي ذكره البغوي عزاه غيره إلى «مختصر المزني».

وجاء في «المغني» لابن قدامة [2/129]: “وقال أبو عبد الله -يعني أحمد ابن حنبل- : حزنه فيقرؤه بحزن مثل صوت أبي موسى”.

قال الخلال: “وأخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد اللَّه سئل عن القراءة بالألحان؟ فقال: لا يعجبني، إلّا أن يكون جرمه.
قيل له: فيقرأ بحزن يتكلف ذلك؟
قال: لا يتعلمه، إلَّا أن يكون جرمه”.

وقال: “وأخبرني محمد بن علي السمسار أن يعقوب بن بختان حدثهم أنه قال لأبي عبد اللَّه: فالقرآن بالألحان؟
فقال: لا، إلَّا أن يكون جرمه -أو قال: صوته مثل صوت أبي موسى، فأما أن يتعلمه فلا.
وقال: وأخبرني محمد بن الحسن، أن الفضل حدثهم قال: سمعت أبا عبد اللَّه سئل عن الألحان، فكرهه وقال: يحسنه بصوته، من غير تكلف”.

«الأمر بالمعروف» [200- 202].

فخلاصة الروايات عن أحمد أن الألحان مكروهة، غير أن من كان طبعه ذلك لا يتكلفه جداً استحب له التحبير.

وقال ابن حجر في شرح البخاري: “وقد روى ابن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثي”.

ولم أقف على إسناد خبر ابن أبي داود.

وقال أبو عوانة في مسنده: “3874- حدثنا محمد بن حيويه، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ بهذا.
قال أبو صالح: قال لنا الليث بالعراق: عن سعد بن أبي وقاص، وأما هاهنا فكذا، قال: وكذا في أصل كتابه.
قال الليث: يتغنى: يتحزن به، ويرقق به قلبه”.

والليث بن سعد هو إمام المصريين.

واختار التحزين ابن كثير ومن المعاصرين عبد العزيز بن باز.

فإن قيل: ما وجه التحزين في آيات الجنة؟

فيقال: وجه ذلك أن المرء يخشى ألا يكون من أهلها، وعلى كل حال القول بجعل مقام لآيات الجنة وآخر لآيات النار ما علمته عن أحد، مع كون القراءة بالألحان والمقامات مكروهة، وقد بسط الآثار فيها الخلال في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ولي تعليق صوتي عليه.

وهذا البرنامج عليه مآخذ عديدة، وضعوا مذيعة متبرجة، وموسيقى للدخول والخروج، وجعلوا القرآن مقروناً بالألحان مع ما فيه من إظهار لبعض أقطاب التصوف ممن لا شأن لهم بأمر القراءة.