قال ابن القيم في «مدارج السالكين» [2/314]: “وقال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة”.
هذه العبارة أسندها عن إبراهيم بن شيبان القشيري في رسالته من طريق السلمي شيخ الصوفية المتكلم فيه، ومثل هذه العبارات تؤخذ حكمتها وإن تلفت الأسانيد.
هذه الكلمة “والحرية في القناعة” ينبغي أن يشعر بها أهل هذا الزمان أكثر من أهل أي زمان، فهم أكثر من يتكلم في الحرية وهم أكثر من يُستعبد.
فنحن تحكمنا أنظمة رأسمالية مبنية على جعل المصلحة الاقتصادية هي أعلى شيء، وإدخال الناس في هوس استهلاكي وإشعارهم المستمر أنهم بحاجة إلى الاستهلاك، حتى يأخذوا القروض الربوية.
ويبقى أحدهم عمره كله مستعبداً لدين غالبه ذهب في كماليات، مع غصة يجدها كلما رأى شخصاً ممتعاً بالدنيا أكثر.
صار دعم الهوس الاستهلاكي هو مبنى دعم المحتوى، فعامة صناع المحتوى في مواقع التواصل يرتزقون من الإعلانات، وهذه الإعلانات مبنية على إشعار الناس بالحاجة الوهمية.
قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل ٩٧].
قال الطبري في تفسيره: “وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق، لم يكثر للدنيا تعبه ولم يعظم فيها نصبه، ولم يتكدر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها”.
فإذا كانت الحياة الطيبة هي القناعة، فأنى يجتمع هوس استهلاكي وتنافس وتحاسد على الكماليات مع حياة طيبة؟
وقد قرأت مقالاً لكاتب اسمه هاني بكري في مدونة الجزيرة بعنوان: وهم الحرية.. هل تجعلنا الرأسمالية عبيداً؟
مفاد المقال أن الرأسمالية والإمبريالية تستعبد بصورة أقبح من الاستعباد القديم.
ولا أظن الكاتب خطر على باله كلمة هذا الشيخ: “والحرية في القناعة”، والقناعة اليوم هي مفتاح التحرر من تلك الأفكار التي زُرعت في رؤوسنا، وأضعفت إرادتنا، وجعلت قيمنا هشة أمام الضغط الاقتصادي.