شاهد قرآني مغفول عنه لحديث الافتراق

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات ٢].

وقال سبحانه: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} [الحجرات ٣].

هاتان الآيتان من عظيم فقه الإمام أحمد أنه ذكرهما في كتاب «طاعة الرسول ﷺ».

فالآية الأولى تتوعد قوماً يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي ﷺ، ومن جنس رفع الصوت فوق صوته ﷺ ردُّ سنته أو تقديم الرأي عليها.

وهذا حال أهل الأهواء، وحبوط الأعمال يعني الوعيد بالنار، ومنهم من بلغ رفع صوته الابتداع، ومنهم من بلغ الكفر والعياذ بالله.

والآية الثانية تتكلم عن قوم يغضون أصواتهم عند النبي ﷺ، فيعدهم مغفرةً وأجراً عظيماً.

وهذا حال أهل الحديث الذين لا يُقدِّمون على سنة رسول الله ﷺ رأياً ولا قياساً ولا علمَ كلام ولا نظريةً تجريبية.

والمغفرة والأجر العظيم من جنس تسميتهم فرقة ناجية في الحديث.

وقد قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [آل عمران ٣١].

فكلما كان المرء أكثر اتباعاً كان أقرب للمغفرة، وكلما كان أعظم نصرةً للسنة غفرت ذنوبه أكثر، فقد نص حذيفة كما في الصحيح على أن الأمر والنهي يكفران الذنوب، ومن ذلك -ولا شك- الأمر بالسنة والنهي عن البدعة.

ومن زعم أن الكل ناجون، فقد كابر الحس وقال إن الأمة اختلفت في أمور عظام وردَّت إلى الله والرسول فكانت النتيجة متناقضة، كل فريق هُدي إلى أمر غير الآخر وكلها مسائل كبار واضحات.

فهذا اتهام للنصوص لو تأمل.

ومن زعم أن الخلافيات في العقائد كالخلافيات في الفروع، فهذا ناقض اتفاق الجميع وخالف النص والحس.

وقد ذكر عليٌّ أنه يهلك فيه اثنان، والخوارج في ذمهم أحاديث، وفي القدرية قال ابن عمر ما قال، وكل هؤلاء يزعم الهدى وليس كالعصاة المعترفين، ولا كاختلاف الفقهاء في فروع دقيقة بحسب النظر.