قصة موسى والخضر اعتنى بها المتصوفة المتأخرون، فرأوا فيها إثباتاً للعلم اللدني مستدلين بأن الخضر ولي وكان يأتيه علم لدني احتاجه الأنبياء (والصواب أنه نبي).
ثم يزعمون مثل هذا العلم لأوليائهم، وأنه ينبغي على المريد إذا اتبع الشيخ أن يكون معه مثل الخضر مع موسى، ولا يعترض عليه بشيء، لا تعترض فتنطرد.
جاء في كتاب «المعالم الصوفية في قصة موسى والخضر» للدكتور جودة أبو اليزيد المهدي أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن الكريم وعميد كلية القرآن في طنطا ص ٤٠: “وأما المعلم الرابع فهو ثبوت مشروعية تبعية المريد للشيخ المرشد في طريق الله عز وجل والسعي إليه ليسلك سبيل التحقيق وليعلمه علوم المواهب والأسرار ويطلعه على بواطن الأشياء”.
وعادة الصوفية المعاصرين الاحتفال بأمثال الحكيم الترمذي ويفشون مؤلفاته ولا يفطنون لما فيها، لذا سأنقل كلامه في نقد هذا، فالنقل عنه أبلغ من غيره، لاعتماده عندهم.
قال الحكيم الترمذي في كتابه «أدب النفس» ص45: “فإن قال قائل: فهل يجوز لأحد أن يفعل على ما يتراءى له في قلبه، أو يقتدى بالخضر عليه السلام فيما يبدو؟ قيل: لا، قد ختم الله تعالى بالرسول محمد ﷺ الرسالة، ولم يبق في الأرض بعده إلا الملهمون والمحدثون. وقد روى عن رسول الله ﷺ أنه قال: قد كان في بني إسرائيل محدثون، فإن يك في أمتي أحد منهم فعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث}. والنبي دون الرسول بدرجة، والمحدثون دون النبي بدرجة، وللرسول درجة الرسالة، وللنبي درجة النبوة، وللمحدث درجة الحديث. وقد أحكم الله بهذا الإسلام الذي ارتضاه لنا دينا على لسان الكتاب والسنة، ما ليس لأحد فيه استبداد، ولا تجاوز ولا تقصير، إنما هو حفظ الحدود، واتباع الأمر الجملة؛ ثم الصديقون والملهمون والمحدثون أمور خارجة من الحدود والأحكام، وهو تدبير الله عز وجل وكلاءته، على ما ذكرناه بدءاً.
ولم نجئ بشأن ذكر الخضر ههنا لنطلق لمن بعده مثله، إنما أردنا أن نحقق أن لله عباداً يضع عندهم من مكنون العلم ما شاء، وأن لهم عنده من المنازل ما يتحقق عند من يفهم هذا، أن ذلك الذي قلنا كيف يكون، حتى به يسمع، وبه يبصر، وبه ينطق، وبه يبطش، وبه يمشي، وبه يعقل”.
فالحكيم يقول إن الناس استغنوا بالنبي ﷺ، وقد تركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يوجد علم يختص به أناس دون أناس من علم الوحي الضروري.
وما يدعيه هؤلاء المتصوفة هو احتيال على ختم النبوة، ودعواهم هذه فتحت شراً عظيماً، فكل شخص منهم يدعي بأنه حدثه قلبه عن ربه، ويأتي بالمحدثات والمنكرات.
قال ابن القيم في «مدارج السالكين»: “وهذه دون مرتبة الوحي الخاص، وتكون دون مرتبة الصديقين، كما كانت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما قال النبي ﷺ: «إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة فعمر بن الخطاب».
وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يقول: جزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعلق وجودهم في هذه الأمة بـ”إن” الشرطية، مع أنها أفضل الأمم، لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته، فلم يحوج الله الأمة بعده إلى محدث ولا ملهم، ولا صاحب كشف ولا منام، فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها، لا لنقصها”.
ومما تكرر في كتب الحكيم الترمذي أمور تدل على أنه من أهل الإثبات للصفات، وله كتاب «الرد على المعطلة».
قال الحكيم في «أدب النفوس» ص١٠٥: “حدثنا بذلك قتيبة، عن محمد بن منير، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر. وقال في حديث حارثة، حيث قال رسول الله ﷺ: كيف أصبحت؟ قال: مؤمناً حقاً. فسأله عن الحقيقة، فقال: كأني أنظر إلى ربي على عرشه. هذا في رواية، حدثنا أبي، عن أبن أبي حبيش، عن عبد العزيز بن أبي رواد. وأما رواية ثابت عن أنس، فإنه روى: كأني أنظر إلى عرش ربي. وهذا النوع في الآثار كثير”.
وقال في كتابه «رياضة النفس» ص٦٠: “فإنما وصل العبد لله هذه المنزلة بتلك النوار، ألا ترى إلى قول رسول الله ﷺ: «هذا عبد نور الله عز وجل الإيمان في قلبه».
حدثنا أبي حدثنا محمد بن الحسن المكي، عن عبد العزيز بن أبي رواد، يرفعه إلى رسول الله ﷺ، بمثل حديث يوسف، إلا أنه قال: «لكأني أنظر إلى ربي عز وجل فوق عرشه، يقضي بين خلقه»”.
الخبر الذي يذكره ليس ثابتاً ولكنه يقر معناه، وهو واضح في إثبات العلو، وله كلام غيره كثير في هذا، ذكرت بعضه في القناة آنفاً.