من المسائل المعروفة عند طلاب العلم اشتراط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين.
فأنت إذا جمعت بين صلاتين لأي عذر من الأعذار المبيحة للجمع بين الصلوات، فإنه لا ينبغي لك أن تطيل الفصل بين الصلاتين المجموعتين، هذا مذهب الجمهور.
جاء في «زاد المستقنع» من متون الحنابلة المشهورة: “فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامها وفلا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء “خفيف” ويبطل براتبة بينهما”.
هذا هو المعتمد، وهو مشهور مذهب المالكية والشافعية أيضاً.
جاء في «الحاوي» للماوردي: “والشرط الثالث: الاتصال والموالاة من غير أن يتراخى فعل الثانية منهما عن فعل الأولى ليصح الضم والمتابعة وإن تراخى فعل الثانية أو تطاول أو تنفل بينهما أو أذّن، بطل الجمع وأجزأته الأولى ولم تجزه الثانية ووجب عليه [تأخيرها] إلى وقتها”.
غير أن ابن تيمية ذكر رواية أخرى عن أحمد واختارها، وهي أن الموالاة لا تشترط، لأنك جعلت الوقتين وقتاً واحداً، هذه هي حقيقة الجمع، فلك أن تؤدي الصلاتين في الوقت وإن فصل بينهما فاصل.
جاء في «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية [5/351]: “ولا موالاة في الجمع في وقت الأولى، وهو مأخوذ من نص الإمام أحمد في جمع المضطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته، والأخرى في المسجد، فلا بأس، ومن نصه في رواية أبي طالب والمروزي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل أن يغيب الشفق. وعلله أحمد بأنه يجوز له الجمع”.
وفي «الإنصاف» للمرداوي: “ونقل أبو طالب: لا بأس أن يتطوع بينهما. قال القاضى فى «الخلاف»: رواية أبى طالب تدل على صحة الجمع، وإن لم تحصل الموالاة”.
وهذا يدل على أن القاضي فهم من كلام أحمد ما فهمه ابن تيمية من عدم اشتراط الموالاة.
وقد وجدت حجةً لهذا المذهب غفل عنها كثيرون، وعامة من يتكلم في المسألة لا يذكرها.
قال البخاري في صحيحه: “1675- حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يقول: حج عبد الله رضي الله عنه، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك، فأمر رجلا فأذن وأقام، ثم صلى المغرب، وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر أرى فأذن وأقام -قال عمرو: لا أعلم الشك إلا من زهير-، ثم صلى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجر قال: «إن النبي ﷺ كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة، في هذا المكان من هذا اليوم»، قال عبد الله: هما صلاتان تُحوَّلان عن وقتهما: صلاة المغرب بعدما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر، قال: رأيت النبي ﷺ يفعله”.
موطن الشاهد أن عبد الله بن مسعود جمع في مزدلفة بين المغرب والعشاء كما هي السنة، غير أنه لما صلى المغرب تنفل بعدها، فصلى ركعتين ثم تعشى ثم صلى العشاء.
وهذا فصل طويل يبطل صلاته على مذهب القائلين باشتراط الموالاة بين المجموعتين.