جائزة نوبل للسلام والإيمان باليوم الآخر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

في هذه الأيام أطالع كتاب «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» للسفاريني ووجدت فيه قوله [2/884]: “أيّ عقل يرد مثل هذا القصاص أفليس هذا عين العدل؟! وإلا فالعدل أن يسفكَ الدماء، ويأخذ الأموالَ، وينتهك الْمحارم، ويظلم الضعيف ويؤلمه ثُمَّ لا يؤخذ بمثل هذه الجرائم هذا ممَّا تأباه العقولُ، وتباينه النقولُ فالعدل كلّ العدلِ في الحسابِ والقصاص”.

وتذكرت هنا ما في «عيون الآخبار» لابن قتيبة [1/143]: “أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلا يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سويا. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين: فإن لكم دارا سوى هذه تجازون فيها”.

وصادف أن الناس يتحدثون هذه الأيام عن جائزة نوبل للسلام والتي أعلم من حالها أنها فاز بها عدد من مجرمي الحروب العتاة، فعُلم أن هذه الدنيا لا يستتم بها العدل وهناك دار آخرة يقع فيها الأمر كما ينبغي، فالمجرمون في زماننا لا يُتركون بل يكرَّمون.

فالفائزة لهذا العام ماريا كورينا ماتشادو، دعمت الإبادة الجماعية في غزة، بل ودعت لتدخل قوات أجنبية في بلادها، وليست هي الوحيدة.

فقد حصل الدبلوماسي الأمريكي السابق على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٧٣ لتفاوضه على وقف إطلاق النار خلال حرب فيتنام، ومع ذلك أججت سياسات كيسنجر حروبا مدمرة في كمبوديا المجاورة وخارجها.

تمتد جرائم الحرب الموثقة على نطاق واسع التي ارتكبها إلى دول تشمل الأرجنتين وبنغلاديش وكمبوديا وتشيلي وقبرص وتيمور الشرقية وفلسطين وجنوب أفريقيا وفيتنام.

بصفته وزيراً للخارجية الأمريكية، ساهم كيسنجر في صياغة السياسة الخارجية التدخلية الأمريكية، والتي ساعدت أمريكا لاحقاً على ترسيخ هيمنتها وإمبرياليتها عالمياً.

علق كريستوفر هيتشنز، في كتابه «محاكمة هنري كيسنجر» الصادر عام ٢٠٠١ بقوله: “إما أن تستمر الولايات المتحدة في غض الطرف عن الإفلات الصارخ من العقاب الذي يتمتع به مجرم حرب ومخالف للقانون سيئ السمعة، أو أن تقع فريسة للمعايير السامية التي تفرضها باستمرار على الجميع”.

حصل رئيس وزراء النظام الإسرائيلي السابق على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٩٤ لدوره في اتفاقيات أوسلو، إلى جانب رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، إسحاق رابين، والزعيم الفلسطيني السابق ياسر عرفات.

لم تعترف هذه الاتفاقيات بالدولة الفلسطينية، وسمحت بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفقاً لإحصاءات الاتحاد الأوروبي لعام ٢٠٢٣، كان يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة حوالي ١٢١ ألف مستوطن عند توقيع اتفاقيات أوسلو. أما الآن، فيتجاوز العدد ٦٠٠ ألف مستوطن.

لعب بيريز دوراً رئيسياً في النظام العسكري المفروض على المواطنين الفلسطينيين حتى عام ١٩٦٦، والذي نفذ خلاله نظام الاحتلال عمليات سرقة وتهجير جماعية للأراضي.

خلال فترة تولي بيريز منصب وزير الشؤون العسكرية من عام ١٩٧٤ إلى عام ١٩٧٧، أُنشئت العديد من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بُنيت هذه المستوطنات غير القانونية على أراضٍ فلسطينية خاصة مصادرة.

وُصف بير بأنه مهندس برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي.

بصفته رئيس وزراء النظام عام ١٩٩٦، أمر وأشرف على قتل ١٥٤ مدنياً في لبنان على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وشهدت هذه العملية، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها كانت استعراضاً للقوة قبل الانتخابات، استهدافاً متعمداً للمدنيين اللبنانيين.

ومن الحوادث الشهيرة الأخرى مجزرة قانا، عندما قصفت قوات النظام الإسرائيلي مجمعاً للأمم المتحدة وقتلت ١٠٦ مدنيين كانوا يحتمون فيه.

هذه المعلومات من مقال بعنوان:

(Nobel Peace Prize: When war-mongers are felicitated in the name of ‘peace).

وقد ذكر شخصيات أخرى وجرائم أخرى ربما أبشع أحياناً.

وقد قال تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم ٤٢].

وعجيب أن يكفر المرء بدينه إيماناً بقيم وضعها مجتمع يكرِّم عتاة المجرمين على أنهم دعاة للسلام.