
كتب الأخ أسامة لعايض:
نشرت إحدى الصفحات مقطعاً فيه شخص يطلب من فرنسيين أن يشتروا له كيساً من المعجنات بثمن بسيط فرفضوا ذلك جميعاً, ثم طلب ذلك من امرأة تبدو كأنها مسلمة فاشترته له.
ثم علق صاحب الصفحة على المقطع لماذا الأوروبيون واقعيون و لا يستعملون عاطفتهم بينما نحن عندنا كثرة العاطفية و الكرم الزائد؟
هو طبعاً تكلم عن الكرم الزائد من باب الذم لا من باب المدح وهذا ما أغضبني, إذ في العادة كل البشر يختلفون, وكثير من الأخلاق التي تجدها في مجتمع تكون نادرة في مجتمع آخر والعكس كذلك, لهذا كل الناس يمدحون من جهة و يذمون من جهة أخرى.
لو أن شخصاً ذهب إلى أوروبا ووجد عند سكانها بعض الأخلاق الحميدة, لا بأس أن يذكر تلك الأخلاق من باب الموعظة, خاصة إذا كانت تلك الأخلاق من ديننا وتخلينا عنها في وقت من الأوقات, لكن هذا الشخص في النفس الوقت يجب أن ينتبه إلى الأمور السيئة التي عند الأوروبيين وليست عندنا, وبهذا يكون قد أخذ ما يحمد فيهم وترك المذموم.
لكن ما يقع عند كثير من المسلمين أمر غريب, حيث أنهم يمدحون الأوربيين في زينهم وشينهم.
إذا وجد أوروبيا يركب سيارة فاخرة يقول لك: انظر إلى هذا الرجل الأنيق الذي يعرف كيف يعيش الحياة, وإذا رآه يركب حماراً يقول لك: انظر إلى هذا التواضع, هذا شخص لا يهتم بالمظاهر.
إذا وجد أوروبيا يعطي المال كثيراً يقول لك: انظر إلى هذا الرجل السخي, هذا خلق الإسلام, وإذا وجد رجلاً أوروبياً بخيلاً يقول: انظر إلى الواقعية وعدم العاطفية.
طبعا ليس كل الناس هكذا, لكننا في مواقع التواصل هذه لا نكد نجد من يتعامل اتجاه الغرب بعقلانية وحكمة.
بعض من يحب الدفاع عن الأوروبيين, يقول أن الرجل لا يبدو عليه الفقر وأن الأصل أن عليه العمل وليس طلب الناس.
وهذا قد يكون تفكيراً عند بعض الناس حقاً, لكنني أعرف أن معظم المسلمين لن يهتموا بهذا التفصيل, لأن الرجل لا يطلب أمراً يستدعي الريبة، فهو يطلب شيئاً رخيصاً ليأكله. فحتى لو رفض شخص أو شخصان هذا الطلب, لن يرفض معظم الناس هذا, بل كثير منهم يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بإحسان الظن في السائل في بعض الأحيان.
لكن بخل الأوروبيين أمر لا يحتاج لمثل هذه المقاطع فهو أمر متواتر معروف, حتى أن رفاعة الطهطاوي (و قد كان في أوائل البعثات الدراسية لبلاد الغرب) الذي كان معجبا جدا بالفرنسيين وأطراهم مدحا, لم يفوت الفرصة للتنبيه على بخلهم وعدم مساعدتهم للغير إلا من خلال مؤسسات تختص بذلك.
من عجائب القصص التي قرأتها أن طفلا أمريكيا, عرض عليه صديقه السويدي أن يبيت معه ليلة مع أسرته, فلما حل المساء ترك الطفل السويدي صديقه وحيدا في غرفة وتأخر عنه, فلما خرج الطفل الأمريكي ليبحث عنه, وجده مع أسرته يتناولون العشاء دون أن يخبروه.
فوضح له الناس في التعليقات أن هذا أمر معروف في السويد, إذا ذهبت لتبيت عند أسرة سويدية, عادة يجب عليك أن تحضر عشاءك معك, وهذا قد لا يكون في الجميع لكنه أمر منتشر.
هذه الأمور يجب أن يتوقعها الناس, إذا ذهبت للهند توقع أن يدخل عليك شخص الغرفة دون استئذان فمسألة الخصوصية إشاعة عندهم, وإذا ذهبت لليابان ووقعت لك أزمة صحية, توقع أن لا يحضر لك أحد أي مساعدة, وإذا كنت في بلاد الغرب, توقع أن تبيت في العراء إذا فقدت عملك يوما ما. لا ينبغي التعامل مع الغرب بخصوصية في هذا المجال. إذا رأيت سلوكا سيئا عندهم, فهو سلوك سيء, لا تبحث ضرورة عن حكمة خفية خلف هذا السلوك.