قال تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} [الأنعام].
هذه الآية في بيان أن عبَّاد الأوثان يعظمون أوثانهم أكثر من رب العالمين مع إقرارهم بأنه سبحانه أعظم منهم.
قال الطبري في تفسيره: “13902- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا}، قال: يسمون لله جزءا من الحرث، ولشركائهم وأوثانهم جزءا، فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وما ذهب من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردوه، وقالوا: “الله عن هذا غني”! و”الأنعام” السائبة والبحيرة التي سموا”.
تأمل قولهم: “الله عن هذا غني”، فشاهدوا غنى الله ولم يشاهدوا افتقارهم له سبحانه وحاجتهم لتوحيده.
هذا كحال الزنادقة ودعاة الإنسانوية في زماننا.
إذا تكلموا عن العبادات التي هي حق لله عز وجل، كالإيمان بالغيب والصلاة وذكر الله، استصغروها وقالوا: ما الفائدة منها؟
وأمثلهم طريقة من يرجع فوائد هذه الأمور إلى مصلحة البشر، فيقول مثلاً: (الصلاة تعلم تنظيم الحياة أو هي رياضة أو هي مدعاة للألفة من الناس)، ويفسر قوله سبحانه: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} بما يتعلق بانتهاك حقوق البشر فقط.
ولا شك أن الصلاة الصحيحة تحبس عن أذية الخلق، ولكنها تحبس عن عموم الشر وإن لم يعدُّه أذية، كالزنا بالتراضي، فذلك فحشاء، أو النظر الحرام، أو غيرها مما يحرم.
وإذا رأوا شخصاً كافراً يتصدق أو يعمل الأعمال الخيرية أو يقف مع المظلومين، فإنهم يقولون: كيف لا يدخل هذا الجنة؟
وينسون حق الله عز وجل بالإخلاص له في العبادات.
فما كان حقاً لله اشترطوا فيه أن يكون فيه حق لهم وإلا استصغروه، وما كان حقاً لهم عظموه وإن لم يُفعل لله عز وجل، بل تراهم يريدون لصاحبه أن يدخل الجنة.
وهذا حال كحال عبَّاد الأوثان الذين ذُموا في الآية، والله المستعان.