المعوذتان وعلاقتهما بقصة البداية (قصة آدم وإبليس)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

حين تقرأ سورة البقرة وهي أول سورة كتبت في المصحف، تجد أول قصة معك قصة آدم وإبليس، وذلك مناسب، فهي بداية قصتنا معاشر بني آدم.

وآخر سورتين كتبتا في المصحف سورة الفلق وسورة الناس، وقد بدا لي هذا العام أن بينهما علاقة.

فإبليس حمله على عدم السجود لآدم (الحسد).

قال ابن كثير في تفسيره: “وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا، وهذا مذموم شرعا، مهلك، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم -عليه السلام- على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام”.

وفي «العلل» لابن أبي حاتم ذُكر أثر عن أبي جحيفة: “إن المعصية في الحسد؛ إن الشيطان حسد آدم أن يسجد له فعصى ربه”.

ونجد في سورة الفلق: {ومن شر حاسد إذا حسد}، وبعد الحسد وسوس لآدم بالشر ليُهلكه.

ونجد في سورة الناس الاستعاذة {من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس}.

وقصتنا مع الحسد عظيمة، فما حصل بين ابني آدم وقتل أحدهما للآخر كان بابه الحسد، وكُفر أهل الكتاب بنبينا ﷺ كان بابه الحسد، وحالهم كان كحال إبليس، بدأوا بالكفر حسداً ثم بالوسوسة وإلقاء الشبهات، وكذلك كُفر كثير من أقوام الأنبياء بابه الحسد: {أأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}، وما حصل من إخوة يوسف بابه الحسد، وغيرها وغيرها.

والحسد والكبر يلتقيان، إذ سبق المستضعف إلى الخير، كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} [الأحقاف].

وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [الأنعام].

والكبر والحسد قد يجتمعان في بعض الناس، وقد ينفرد الكبر بأحدهم وهذا قد يقع للأعيان من الناس والأثرياء، وقد ينفرد بهم الحسد وهذا قد يقع للفقراء والمستضعفين، وغالباً تراهما متداخلين.

لذلك الصدقة على المساكين مع ترك المنِّ والأذى ومجالستهم ومحبة الخير لهم مبدأ ذهاب الكبر من النفوس.

وكذلك مشاهدة النعمة الدينية وتمني الخير للناس «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فتصير محبتك الخير لهم عبادة تتعبد بها، فتنتفع بها وتجد ثوابها عند الله، فلا تتحسر على الخير الذي تراه عليهم، لأنك أثمرت من ورائه خيراً في الآخرة، فهذا علاج الحسد.

ولذلك توقير الأنبياء وتعزيرهم والصلاة عليهم من مذهبات الحسد من النفوس.