اللذة الكاملة إنما تكون في الجنة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال تعالى: {إن المتقين في مقام أمين (٥١) في جنات وعيون (٥٢) يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين (٥٣) كذلك وزوجناهم بحور عين (٥٤) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين (٥٥) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم (٥٦) فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} [الدخان].

الناس في زماننا كلفون باللذة الكاملة التي تكون مجموعاً من لذات متفرقة، فترى في أمثالهم: “الماء والخضرة والوجه الحسن”، ومما اعتادوه أن يختاروا مشاهدة أمور ممتعة وقت الأكل حتى يجمعوا اللذتين.

ومهما اجتمع للمرء وإن كان ملكاً من الملوك، فإن الأمر لا يتم كما هو مذكور في الآيات أعلاه.

{إن المتقين في مقام أمين} يعني لا يخافون، فهذه لذة الشعور بالأمن، وكل لذة من مأكل ومشرب ومنكح تصير هباءً إذا اقترنت بألم الخوف.

{في جنات وعيون} وهنا لذة الهواء العليل والمناظر الحسنة، مع لذة الماء البارد المستلذ من مورد لا ينضب.

{يلبسون من سندس واستبرق متقابلين} وهنا لذة الملبوس الحسن في نعومته وطيب رائحته وحسن منظره، تراه على نفسك وعلى غيرك ممن تقابله فتكتمل اللذة.

{كذلك وزوجناهم بحور عين} حسنات الهيئة حسنات الخلق، يتحقق بهن تمام اللذة.

{يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} وهنا لذة المطعم، ثم لا خوف من فساد هذا الطعام أو حصول ضرر منه على البدن أو من مُطالب يطالب به أو من انتهائه.

{لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم} ومهما عظمت اللذة فإنه يكدرها الموت ومقدماته من الشيخوخة المؤذنة باقترابه، ويكدره أيضاً مخافة تحول الحال، وفي هذه الآية الأمان من الأمرين.

{فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} لا منة فيه لأحد، وحقاً مجموع هذا فوز عظيم، خصوصاً إذا جاءت الزيادة، وهي رؤية وجه رب العالمين، فإن ذلك أعظم من كل ما مضى.