قال مسلم في صحيحه: “145- (1142) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه حدثه أن رسول الله ﷺ بعثه وأوسَ بن الحدثان أيامَ التشريق، فنادى «أنه لا يدخُل الجنة إلا مؤمن، وأيامُ منى أيامُ أكل وشرب»”.
وقال أحمد في مسنده: “15429- حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن رجل، من أصحاب النبي ﷺ، عن النبي ﷺ: أنه بعث بشر بن سحيم، فأمره أن ينادي: «ألا إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإنها أيام أكل وشرب» يعني أيام التشريق”.
أقول: أيام التشريق هي أيام الأضحى بعد العاشر، وهي أيام فرح وسرور وأكل وشرب، حتى إن الصيام منهي عنه فيها.
ولكن لاحظ أنه قبل التنبيه على أنها أيام توسع وسعة وفرح أمره أن يقول: «ألا يدخل الجنة إلا مؤمن».
وذلك أن الفرح مناسبته فضل الله الذي أنزله إليها وتلك العقيدة التي هي مفتاح الجنة.
قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس: ٥٨].
من استقر في نفسه هذا المعنى فرح حقاً، ولم يغره حال أهل الكفر، ولم يقنطه من رحمة الله ومن فرجه وفتحه.
قال تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: ١٩٦- ١٩٧].
وهذه التكبيرات التي نرددها في هذه الأيام فيها مراجعة على معاني التوحيد بأنواعه الثلاثة.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد (وهذا صح عن ابن مسعود).
(الله أكبر) فيه اتصافه سبحانه بصفات الكمال على وجه يليق به، فكل مخلوق اتصف بكمال لحِقَ هذا الكمال نقصٌ، أما هو سبحانه فعلمه وقدرته وسمعه وبصره ورحمته وحلمه ومحبته وغيرها من صفاته فوق كل ما اتصف به مخلوق، وهي الكمال المطلق، وتلك حقيقة توحيد الأسماء والصفات.
و(لا إله إلا الله) فيه أن لا معبود بحق سواه، فلا يدعى سواه ولا يذبح لسواه ولا ينذر لسواه، وكل عبادة لا يستحقها إلا هو {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}، وهذا توحيد الألوهية.
(ولله الحمد) فيه مشاهدة إنعامه وأفضاله سبحانه على عباده {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، وتلك حقيقة توحيد الربوبية.
ويدل على ما ذكرته هنا قوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: ١٨٥].
فنحن نكبر على الهدى ونفرح بالهدى.
فأنصح أهل الإسلام لأهل الإسلام من حثهم على التمسك بهذا، وأما من رآهم ينقضون هذا كله أو بعضه وسكت عليهم وهنأهم، فهذا غاش لهم، وإن ستر ذلك بقضايا نبيلة، فلا أنبل من الدعوة لأصل الدين، وما سواها لا يهمل وإنما يأتي تبعاً.