الدليل على كفالة طالب العلم من حال أبي هريرة رضي الله عنه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه: “2047- حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ﷺ وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله ﷺ بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله ﷺ على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال: رسول الله ﷺ في حديث يحدثه: «إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول»، فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى رسول الله ﷺ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله ﷺ تلك من شيء”.

أقول: حقيقة كفالة طالب العلم النابه هو تفريغه لطلب العلم وجعله لا يشتغل بالاكتساب ونحوه مما من شأنه أن يلهيه عن الازدياد والإنتاج العلمي.

وقد كان هذا حال أبي هريرة، فهو يذكر أنه لازم النبي ﷺ لأنه ما كان يصفق بالأسواق كغيره، وكان النبي ﷺ يطعمه.

فحصل له اتساع عظيم في الحفظ لشدة ملازمته للنبي ﷺ ولقوة حفظه التي كانت ببركة دعاء النبي الكريم ﷺ.

واليوم كثير من أهل الباطل من منصرين ورافضة ودعاة خرافة يفرغون دعاتهم وينفقون عليهم إما من النذور التي تعطى للأضرحة ونحوها وإما الأخماس في حال الرافضة أو غيرها.

بل حتى الملاحدة تراهم ينفق عليهم من يبغض دين الإسلام ليفرغهم للطعن فيه.

وقد اشتبه بطلاب العلم من ليس منهم من أصحاب الأغراض وطلاب الدنيا، فقطعوا الطريق عن طلاب العلم الحقيقيين.

وكم رأينا من طالب علم كان نابهاً ثم ألهته الدنيا أو اشترته جهة أخفت بريقه وصارت توجهه وربما أدخلته في أمور هو في غنى عنها.

ومعلم الناس الخير يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض وتضع له الملائكةُ أجنحتها رضى بما يصنع لعظيم فضله.

فكم من سنَّة دارسة يحييها أهل الخير، فيعمل بها ما لا يحصيه إلا الله من الناس، فيكون الثواب للمعلم ومن أعانه، و«من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا».

وأحق الناس بالكفالة من كانوا كأبي هريرة، يُعلِّمون الناس سنة رسول الله ﷺ ويحرصون على ذلك أشد الحرص، وكلما زادت البدع والضلالات والشركيات كان الناس أحوج لنور الوحي.

قال الخطيب البغدادي في «شرف أصحاب الحديث»: “أخبرني عبد الغفار بن أبي الطيب المؤدب، قال: حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدثني جدي، قال: سألت أحمد بن حنبل، قلت: يا أبا عبد الله أيهما أحب إليك: الرجل يكتب الحديث أو يصوم ويصلي؟ قال: يكتب الحديث. قلت: فمن أين فضلت كتاب الحديث على الصوم والصلاة؟ قال: لئلا يقول قائل: إني رأيت قوما على شيء فاتبعتهم. قال الخطيب قلت: طلب الحديث في هذا الزمان أفضل من سائر أنواع التطوع لأجل دروس السنن وخمولها، وظهور البدع واستعلاء أهلها”.

وهذا في زمانهم فكيف بزماننا؟