التصدق بالأمل

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

كنت في مركز للعلاج الصحي الطبيعي وقد لاحظت شخصاً تبدو عليه السعادة خلافاً لغالب الحاضرين ممن يعانون من مشاكل صحية مزمنة تجعل ابتساماتهم -وإن صدرت- ظاهرةَ التكلف أو محمَّلةً بالتعاطف مع من هم مثلهم

هذا الشخص تعلمت منه أمراً، وهو التصدق بالأمل.

كان يحكي لبعض الحاضرين كيف أن حالته كانت أسوأ من حالتهم بكثير، ويطلب من المعالج أن يخبرهم بحاله وكيف كان مدمراً نفسياً؛ ثم أفاده العلاج حتى صار على ما نرى (شخص آخر) كما وصف نفسه.

وقد لاحظت على من سمعوا كلام هذا الشخص كيف بدأ البشر يتسلل إلى وجوههم وتعلوها ابتسامات من نوع مختلف عما رأيته منهم للوهلة الأولى.

هنا تذكرت حديث النبي ﷺ: «والكلمة الطيبة صدقة».

وهذا الذي فعله هذا الشخص كان صدقة نرجو أن يحتسب فيها، لأنك حين تقول لشخص: أنا كنت مثلك أو أسوأ منك والآن أنا على حال طيب والحمد لله، فإن ذلك يزرع في قلبه الأمل ويعينه على مواجهة الألم وتجاوز المرض.

فذلك من الأعمال الصالحة المغفول عنها.

حتى في السير في طلب العلم يحتاج الشيخ أحياناً ألا يحدث الطلبة عن مظاهر نبوغه وجلده، بل يحتاج أن يحدثهم عن أخطائه وعيوبه في بداياته وعموم أحواله والتي لم تمنع من أن يكون على حاله التي يرون.

فإن اليوم كثير من الناس أكثر ما يرهقهم الوسواس بالمثالية وأنهم دون الآخرين وأن حالهم بالذات ميئوس منه، خصوصاً من كان على خير واستقامة بالجملة يأتيه الشيطان ويؤيسه ويبصِّره بعيوبه، لا على سبيل طلب إصلاحها، بل على جهة تبكيته وإشعاره أنه لا أمل فيه، حتى يصير أي ذنب بمنزلة الكفر عنده أو قريباً منه.

وفي زمن مواقع التواصل صورة المؤثر الناجح المثالي ألهمت أناساً ولكنها أحبطت آخرين، خصوصاً وأنها غالباً ما تكون غير واقعية، وربما عدم واقعيتها جاء من المتلقي لا من إيحاءات الشخص نفسه.

ونعود إلى موضوعنا: مفهوم «الكلمة الطيبة» أوسع بكثير مما قد يبدو من مجرد النظر الأولي للكلمة.

ورُبَّ فقه تأخذه من غير فقيه ومن غير كتاب، كما قال الحسن حين سمع كلمة استحسنها من الشاعر الفرزدق: “خذها من غير فقيه”.