الاستمرارية بعد العيد وأصحاب المكتبات الكبيرة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

كثيراً ما ترى بعض المتحدثين يصور وخلفه مكتبة كبيرة، قد يبدو هذا مشهداً معتاداً، ولكنني أقف معه كثيراً، وأسال: في كم عام جمع هذه الكتب؟

كم أنفق عليها؟

كيف كوَّن هذه النهمة في القراءة؟

ما الذي ميزه عن غيره حتى اختص بهذا الأمر؟

كم قرأ منها؟

أجوبة هذه الأسئلة ستفيدنا جداً في جواب سؤال: ما علاج الفتور بعد رمضان؟!

فإن سألتني ما علاقة الموضوعين ببعضهما البعض؟

فأقول لك: عامتنا قرأ كثيراً في أيام الدراسة وصار عنده ملكة الانتفاع من الكتب، وأكثر أصحاب المكتبات علاقتهم مع الكتب بدأت في سياق إلزامي في أيام الدراسة.

ولكن كثيراً منا ترك القراءة بسبب ارتباطها بالالتزام في ذهنه، أو بسبب أنه لن يتمكن من حفظ كل كتاب سيشتريه كما كان يحفظ الكتب المدرسية.

أما أصحاب المكتبات فأخذوا هذه الملكة التي تعلموها في الدراسة وفعلوها، وصاروا يقرأون ما تيسر لهم، وإن لم يستطيعوا حفظ هذه الكتب أو دراستها تفصيلياً كما يفعلون في الكتب المدرسية.

وصاروا يجمعون اليسير منها فاليسير في كل مناسبة تعرض، حتى تكونت عندهم مكتبات كبيرة.

ولو حدثوا أنفسهم بوهم الكمال فقالوا: لا نشتري كتاباً إلا نقرأه كاملاً ونفهمه كاملاً أو لا نشتري إلا مكتبة ضخمة دفعة واحدة، لما تكوَّن عندهم هذا.

وهكذا العمل الصالح!

قال مسلم في صحيحه: “12- (2750) حدثنا يحيى بن يحيى التيمي، وقطن بن نسير -واللفظ ليحيى- أخبرنا جعفر بن سليمان، عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن حنظلة الأسيدي، قال: -وكان من كُتَّاب رسول الله ﷺ- قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله ﷺ يذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله ﷺ قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة»”.

أقول: هذا الذي وقع في نفس حنظلة قد يقع في نفوس كثيرين بعد شهر رمضان، خصوصاً وأنهم يسمعون بعض المشايخ يقولون: من علامات القبول الاستمرار على حالك في رمضان بعد رمضان.

ويرون في أنفسهم نقصاً فيظنون أنهم لم يُقبَلوا ويقنطون، ولا يفكرون في الاستفادة من الملكات التي استفادوها من الشهر الفضيل.

والواقع من ظن أنه بعد رمضان سيكون كحاله في رمضان، فهو كمن ظن أنه في بيته مع أهله سيكون كحاله في مجلس الموعظة، كما ظن حنظلة رضي الله عنه.

غير أن الذي ينبغي أنك استفدت صبراً على الطاعة (في القيام) ونمَّيت علاقتك بكتاب الله وصبراً عن المعصية في الصيام.

فاعمل على هذه ولو بقدر يسير، فإنه يتراكم مع مرور الوقت، فالقيام ولو بركعات يسيرة والنظر في كتاب الله عز وجل والتدبر فيه ولو بقدر يسير يومياً، وتعويد النفس على البعد عما يخدش الحياء -خصوصاً في مواقع التواصل- ومعاصي البصر واللسان، وما أكثرها، ما استطعت ولو تلطخت قليلاً، فهذا هو المطلوب.

ويتراكم الأمر حتى تجد نفسك قد قطعت مراحل ما كنت تتخيلها في تهذيب النفس والطريق إلى الله عز وجل.